تطالب جماعة الحكم الجديد في مصر، بتجاوز أخطاء الجميع حكماً ومعارضة، لأنها ستدخل «بنك الأخطاء» ليصرف الجميع من الفوائد. وتنبغي ملاحظة أن نظام الحكم الراهن في مصر، ليس جديداً تماماً، فهو تأسس قبل أكثر من تسعة أشهر، وبدأ بوعد بحل مشاكل عاجلة في مئة يوم، من دون أن يفي بالوعد. وإذا كانت المعارضة أو غيرها راغبة في تغيير الحكومة والرئاسة لسوء إدارة البلاد، فهناك صندوق قادم ويمكن تغيير هؤلاء بالصندوق. بينما تتغاضي جماعة الحكم عن حقيقة أن الأمر لا يتعلق بمعادلة صفرية، فهي تريد عملية إقصاء ديموقراطي. والمشكلة أن الصندوق في مصر لا يرتبط بصراع متكافئ، إنما القضية إذا ما وضعت على القضبان فإنها تعد في المقام الأول نزالاً بين فصيل حاكم تصور أنه تلقى «هدية» الحكم من السماء، وفصيل معارض يرى أنه كان شريكاً في الثورة وتم استبعاده قسراً. لذلك يتعارض الخطابان بالضرورة. وتستنتج جماعة الحكم أن هناك من يتربص بها ليسلبها ما أسنده الناس إليها، وتصل جماعة المعارضة إلى نقطة فارقة مؤداها أن الثورة مستمرة، الثورة التي أزاحت الرئيس السابق ماضية نحو إسقاط النظام الحالي. أما الاجتهاد العام فهو يركز على كيفية الخروج من النفق المظلم، ووضعت مثلاً «جبهة الانقاذ» شروطاً للجلوس، مجرد الجلوس مع الرئيس، بينما كانت الاستجابة لهذه الشروط ولم تكن تعجيزية بوسعها وضع العربة خلف الحصان. في الوقت الذي لا ينفك النظام الحاكم عن ممارسة لعبة الهروب إلى الأمام اعتماداً على أن الناس ستضجر وتقاوم بنفسها وتفرض الهدوء، وهو ما لم يحدث. وفي خط موازٍ تجري عملية تشويه منظم للمعارضين الذين يعطلون عجلة الانتاج ومصالح الناس، ووضع الإعلام «المضلل» في الزاوية ومطاردته باستدعاءات وبلاغات. لم تسأل جماعة الحكم نفسها قط عن الذي ستخسره إذا ما استجابت الى مطالب «جبهة الانقاذ» والحركات الثورية وأقصى ما يطلبونه حتى أيام قليلة مضت رئيس حكومة جديد، ولا يمكن أن يكون «الإخوان» أحرص على رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل من البلاد، ونائب عام جديد من طريق المجلس الأعلى للقضاء، وماذا ستخسر جماعة الحكم إذا ما نفذت أحكام القضاء واحترمتها من دون مناكفة؟ كان الموقف الرافض لهذه الشروط يعبر عن مخاوف لدى الحكم من رفع سقف المطالب عند انطلاق الحوار مع المعارضة، في الوقت الذي يلاحظ أن العناد وليس الاستجابة هو الذي رفع السقف في تظاهرات إحياء الذكرى الخامسة لتأسيس «جماعة 6 إبريل» إلى إسقاط النظام «الذي حنث بالوعود» وبالتالي «لم يعد شرعياً». وبينما كان يخطط الحكم إلى حوار بلا شروط وترفض المعارضة الحوار المفتوح، فإن العناد وتخوين «جبهة الإنقاذ» أوصل فعاليات عدة للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة. الحكم يرفض الحوار الذي تقابله المعارضة بالممانعة والمزايدة والشروط المجحفة كما فسر أحد أركان الحكم، والمعارضة فقدت الثقة والأمل في جماعة الحكم، أما الوطن ففي الانتظار، لأن فتائل الأزمات، كل الأزمات، باتت قابلة للاشتعال، والبلد سيحترق.
|