أثارت خطابات الرئيس محمد مرسي مشاكل عدة في الداخل والخارج، لجهة التجاوزات القانونية عند البعض، وعدم التدقيق في ذكر معلومات تاريخية عند آخرين، وتفجير مشاكل لا حصر لها عند القوى السياسية. وعادة ما يلجأ المصريون إلى السخرية من الأمر على «الفايسبوك» و «تويتر» في الفضاء الإلكتروني وعلى المقاهي ووسائل المواصلات في الواقع على غرار معالجاتهم المتكررة الأوضاع البائسة التي وصلت إليها مصر.
إلا أن الخطابات طرحت تساؤلات عدة في مقدمها السؤال عمّن يكتبها بدايةً أو من يراجعها بعد كتابتها وعما إذا كان لدى الرئيس الوقت والرغبة في مراجعتها قبل إلقائها لتخرج من رجل دولة وليس من خطيب مسجد. صار معروفاً أن كاتب خطابات زعيم من وزن عبدالناصر نظر إليه المواطنون باعتباره القائد والمعلم لم يكن سوى الصحافي محمد حسنين هيكل، ولم يرَ أحد في الأمر عيباً، وفي ظني نجحت تلك الخطابات لتوافق الرجلين على الرؤية والغايات، وأتصور أن عبدالناصر كان يراجع الخطاب قبل أن يلقيه، ذلك الخطاب الذي كان ينتظره العالم العربي من المحيط إلى الخليج وأيضاً العالم الخارجي ولكن، لأسباب أخرى. وبات معلوماً أن السادات كان، على علاقته بمهنة الكتابة والصحافة وقدراته على جذب الجمهور الواسع بلكنته الريفية والشعبية، كان يعتمد على هيكل ثم على موسى صبري، وترددت أسماء مثل أحمد بهاء الدين وأنيس منصور. وكان كلاهما (عبدالناصر والسادات) يخرج من الأوراق المكتوبة بجمل رنانة على هامش الخطاب ثم تتحول إلى جزء منه على الأقل تاريخياً.
والملاحظة هنا، أنهما اعتمدا على صحافيين لهم صلة ومعرفة بالتأثير في الرأي العام من خلال مقالاتهم وأعمدتهم في أكبر الصحف المصرية. أما مبارك فقد مضى على النهج نفسه وكتب له كثيرون مثل أنيس منصور ومكرم محمد أحمد وسمير رجب وأسامة الباز، وأحياناً وزير الثقافة السابق أحمد هيكل ورئيس جامعة الأزهر السابق أحمد عمر هاشم. ويظن كثير من المعلقين الذين كانوا قريبين من المطبخ في الأيام الأخيرة لحكم مبارك أن خطاباته كان لها أن تكون أكثر تأثيراً لو لم يكتبها موظفو القصر وكتبها صحافيون ممن استعان بهم سابقاً أو ممن كان بوسعه أن يستعين بهم في اللحظات الحرجة.
كتابة الخطابات مهنة في الغرب كما نعرف وليس عيباً أن تكون مهنة في الشرق وهي كانت ولعقود انتماء سياسياً كما في حالة عبدالناصر والسادات وإلى حد ما في حالة مبارك، ولكنها الآن بعيدة تماماً من تصور رجل القصر في مصر. فقد استعان بعدد واسع من المستشارين استقال الكثير منهم لأنهم انتظروا في مكاتبهم من يطلب استشارة ولم يحدث وعندما عرضوا تقديم استشارات لم يتمكنوا من لقاء الرئيس. كان كُتاب خطب الرؤساء المصريين السابقين غير معلن عنهم وكانوا يدخلون دائماً في باب التكهنات.
لكن، بالنسبة للرئيس مرسي حتى التكهنات صارت عصية وشحيحة، فالبعض يتحدث عن أن مكتب الإرشاد يبعث بها من جبل المقطم، أو أن مرسي يكتبها بنفسه، أو لا يكتبها على الإطلاق ويلجأ إلى الخطب الشفاهية. وأياً كان من يكتب خطب مرسي فإن الملاحظات عليها خصوصاً خطبته في باكستان خلال تسلمه الدكتوراه الفخرية، كشفت الحاجة إلى أهمية أن يكون لمرسي مكتب للخطابات. ففي ذلك الخطاب رصد المحقق والروائي الشهير يوسف زيدان أخطاء معلوماتية وتاريخية شنيعة، على حد وصفه: أخطأ في نطق اسم العالم المسلم الراحل البيروني، كما أن الأخير لم يكتشف الدورة الدموية الصغرى، ولم يسمع بها، لم يشتغل بالفلسفة مثلما زعم في كلمته، وكان مختصّاً في علوم أخرى، وابن الهيثم لم يُعلّم الدنيا التشريح، وإنما برز في الهندسة والبصريات، وجابر بن حيّان لم يؤسّس علم الكيمياء، وابن خلدون لم يُعرّف علم الاجتماع. الأخطاء المتعلقة بالمعرفة معيبة ولا تصح، ولكن تلك المتعلقة بالموقف السياسي كارثية. فالرئيس أمام مؤتمر خاص بالمرأة تحدث عن «أصابع» تلعب داخل مصر وكررها في خطابه أمام قمة الدوحة بأسلوب تجاوز التحذير إلى التهديد.
لم تعد خطابات مرسي قادرة على التركيز على حل الخلافات وحتى لا يضطر مساعدوه إلى الاعتذار والتوضيح والتنويه، بدأ يتكلم أحياناً بصورة عامة من أنه لن يسمح وسيضرب بقوة إذا لزم الأمر ولن نقع ولن نفلس... و «هاكسر رقبته». الرئيس مرسي ليس في حاجة لكي يذكر المواطنين بأنه من الصقور في جماعته ولكنه في حاجة ملحة إلى كاتب خطابات وحتى لو كان كاتباً سرياً، فإن المصريين لن يعنيهم إلا ارتقاء لغة الخطاب وابتعاده عن الركاكة اللفظية وتضمينه مواقف ومبادئ ومكاشفات وأن يضع حلولاً وابتكارات بدلاً من زرع أزمات وتعقيدات في المشهد المصري الراهن.
* صحافي مصري من أسرة «الحياة»
|