الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
آذار ٢٦, ٢٠١٣
المصدر:
nowlebanon.com
سفر التكوين اللبنانيّ - حازم صاغية
في الانقسام اللبنانيّ الحاليّ تجاه الثورة السوريّة، والذي يبقى السبب الفعليّ الأبرز وراء استقالة نجيب ميقاتي وانهيار حكومته، ووراء أحداث مبعثرة كثيرة، يتبدّى أمر لبنانيّ خالص لا يختصره انحياز عموم السنّة إلى الثورة أو انحياز عموم الشيعة إلى نظام الأسد.
الأمر هذا يتّصل، ولو بطرق مداورة، بالانقسام التأسيسيّ الذي رافق نشأة الكيان اللبنانيّ في 1920. ذاك أنّ في الوسع ملاحظة التباين بين موقفين: فهناك أوّلاً موقف سكّان "لبنان الصغير"، أو لبنان المتصرفيّة، من النزاع السوريّ، وهو يترجّح ما بين التأييد للنظام والتأييد للثورة، إلاّ أنّه، في الحالات جميعاً، يقلّ عن الانخراط المباشر في الصراع الدائر أو الحضّ عليه. وإذا استثنينا حالات فرديّة ربّما كانت أبرزها حالة الوزير السابق ميشال سماحة، يبقى صحيحاً أنّ مواقف "لبنانيّي المتصرفيّة"، المسيحيّين منهم والدروز، يندرج في الخانة الموصوفة أعلاه. فلا التأييد السياسيّ الأقصى للنظام السوريّ، ممثّلاً بميشال عون وتيّاره، ولا التأييد السياسيّ الأقصى للمعارضة، ممثّلاً بوليد جنبلاط وإلى حدّ ما سمير جعجع، يرقيان إلى مشاركة ميدانيّة وعملانيّة.
أمّا الموقف الثاني فيصدر عن المناطق التي ضُمّت إلى "لبنان الصغير" ليغدو بذلك "لبنان الكبير". هذه الأكثريّات السنّيّة والشيعيّة التي غُلبت على أمرها في 1920، فبُترت عن امتداداتها في ما صار سوريّا وفلسطين، هي مصدر الانخراط المباشر في الحدث السوريّ الكبير. صحيحٌ أنّ وجه المقارنة ضعيف بين تدخّل حزب الله، النظاميّ والمنظّم والمدرّب، في سوريّا، وبين تدخّل أفراد متحمّسين مشدودين لأسباب دينيّة ومذهبيّة إلى الثورة السوريّة. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ صلة البيئتين بما يجري في دمشق تفوق، بلا قياس، صلة "لبنان الصغير" وبيئته. في هذا الأخير نجد التعاطف والتأييد لهذا أو ذاك، أمّا في ما عداه فنجد الانخراط والمشاركة أو الرغبة فيهما.
وإذا كانت الروابط الدينيّة والمذهبيّة تفسّر الكثير من وجوه هذا التباين، يبقى أنّ المناطق "المضمومة" في 1920 تمارس اليوم تصويتاً متأخّراً ومتطرّفاً على ما حصل عامذاك. فهي إنّما تتصرّف تصرّف السوريّ أكثر كثيراً ممّا تتصرّف تصرّف اللبنانيّ المتعاطف.
وهذا التقدير، إذا ما ثبتت صحّته، يقول إنّ الوطنيّة اللبنانيّة لم تتحوّل إلى معطى جدّيّ على امتداد ما يقرب القرن، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً لمساءلات تتعلّق بالطريقة التي أدير بها البلد وحُكمت بها جماعاته. لكنّه يقول أيضاً إنّ الآفاق التي قد يستولدها الصراع في سوريّة ستقود حكماً، وكائنةً ما كانت، إلى إعادة التفكير بالرابطة الوطنيّة اللبنانيّة. وأمام لوحة كهذه يخترقها استنطاق كثيف للتاريخ، وتنتظرها صور متباينة عن المصير الوطنيّ، يغدو حدث كاستقالة حكومة ميقاتي أشبه بتفصيل عابر.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة