الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
آذار ٢٦, ٢٠١٣
الكاتب:
زياد ماجد
المصدر:
nowlebanon.com
طرابلس (لبنان)
على الرغم من صغر البلد، ثمة في لبنان من لا يعرف طرابلس. لا بل ثمة في لبنان من يعيش "حياة طبيعية" على بعد كيلومترات من معارك تودي بشبّان في أحياء طرابلس.
وللأمر أسباب عديدة. منها أن فصول الحرب في المدينة الشمالية كانت تبدو منذ مطلع الثمانينات، مختلفة في بعض سماتها عن القسمة الحربية اللبنانية بين ما اصطُلح على تسميته "يميناً مسيحياً" من جهة و"قوى وطنية وإسلامية" من جهة ثانية، إذ كانت حرباً شنّها حافظ الأسد على بعض فعاليات المدينة وقواها السياسية، ثم على منظّمة التحرير الفلسطينية، قبل أن تستقرّ الأمور لفترة على صعود لحركة التوحيد الإسلامي وفظاعات فصِراعات على خطوط تماس سياسية ومذهبية، انتهت لاحقاً بتصفية "التوحيد" وبعودة الأسد حاكماً على المدينة.
ومن الأسباب أيضاً، أن طرابلس صُوّرت بعد انتهاء الحرب الأهلية على أنها مدينة الأصولية السنيّة، وجرى التعامل الأمني والمخابراتي معها بصلف أدّى أواخر التسعينات الى أحداث الضنية، والى توقيفات واحتقانات في الكثير من أحياء المدينة الشعبية.
وبعد اغتيال الرئيس الحريري ومشاركة طرابلس والشمال الكبيرة في انتفاضة الاستقلال في شباط وآذار 2005، صدّر النظام السوري الى "مخيم البارد" السجين السابق لديه شاكر العبسي ومجموعات فتح الإسلام، فدفعت المدينة ومخيّمها الكلفة باهظةً، تدميراً وقتلاً وتهجيراً.
ثم تجدّد نزيفها عامي 2008 و2009 واستُعيدت جراح الثمانينات، ومعها خطوط التماس بين جبل محسن والقبة والتبانة، وصارت المدينة حقل تصفية حسابات ومنطقة توتّر أمني دائم.
وإذا أضفنا الى كل ذلك ما دأبت وسائل إعلام وصحف على بثّه من أخبار حول المدينة، تصل لحدّ اعتبارها "قندهار" تعزيزاً للـ"سنّة ــ فوبيا" في لبنان، وقفنا ربّما على بعض الأسباب التي تجعل طرابلس معزولة في آلامها، بعيدة من مناطق لبنانية كثيرة.
أما بعد انطلاق الثورة السورية العام 2011 وتحوّل عاصمة الشمال الى ملجأ لألوف اللاجئين ومئات الجرحى، فقد صار التوتير في المدينة صدىً للإيقاع السوري، إن بسبب التأثير المباشر للتطوّرات السورية على نسيجها الاجتماعي وخطوط القتال القديمة – المتجدّدة فيها، أو نتيجة ما بدا أنه تواطؤ على تنفيس الاحتقانات اللبنانية الناجمة عن الوضع الإقليمي في بعض شوارعها. فالأخيرة تبقى بعيدة من مناطق تواجد حزب الله وبيئته المذهبية وخطوط إمداده المسلّح، ما يخفّف من احتمالات تعميم المواجهات ونقلها الى غير مناطق. وهي فوق ذلك "معتادة" تحمّل جرعات من العنف، يبقى أزيز رصاصها بعيداً من مسامع السيّاح والمستثمرين المعنيّين حصراً بالعاصمة بيروت.
بهذا، دفعت طرابلس وتدفع أثماناً مضاعفةً. تدفع ثمن قربها من سوريا. وتدفع ثمن إهمالٍ لبناني يُعطَف على محاولات حصر التفجيرات الأمنية في أحيائها الفقيرة، وجعلها حيّز تصريف للعنف الذي صارت تختزنه الحياة السياسية اللبنانية وخطابات التحريض الطائفي لمعظم قواها.
لطرابلس السلام.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
إقرأ أيضا للكاتب
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
فلسطين العصيّة على الممانعة والتطبيع
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
عن بكركي والمعارضات اللبنانية
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة