الأثنين ٩ - ٦ - ٢٠٢٥
بيانات
التاريخ:
كانون ثاني ٢٨, ٢٠١٣
المصدر:
nowlebanon.com
الطور الهزليّ في السياسة الطائفيّة - حازم صاغية
الطائفيّة ظاهرة جدّيّة جدّاً. لا نعيد اختراع البارود حين نقرّر هذه الحقيقة البدهيّة التي كلّفت بشراً كثيرين. لكنّ الطائفيّة حين تصل إلى ذروتها ولا تنفجر عنفيّاً، أو لا تعثر، في المقابل، على تسوية لها، يظهر منها وجهها السخيف بل الهزليّ.
ربّما كانت هذه حالنا في لبنان اليوم: فالطائفيّة في ذروتها الأعلى، إذ هناك دولة حزب الله الكاملة العدّة، وهناك الصعود السلفيّ في غير مكان من هذا البلد، ويأتي "القانون الأرثوذكسيّ" لينزع كلّ تجريد عن الطائفيّة ويُحيلها علاقة مباشرة وشفّافة.
مع هذا تحول عناصر كثيرة، أهمّها خارجيّ، دون انفجار القتال بين الطوائف، مثلما تحول عناصر أخرى، ولأسباب معروفة، دون إبرام تسوية ما.
في هذه الرقعة الضيّقة المتاحة لنا يظهر الهزليّ. فحين "يحجّ" الشيخ أحمد الأسير إلى كفر ذبيان، مصحوباً بمئات المرافقين والمرافقات، طلباً للتزلّج، وحين يردّ بعض "الأهالي" بالحماقة والسخف اللذين ردّوا بهما على طالبي التزلّج، نكون قد أقمنا في قلب المهزلة.
وكنّا، قبل أشهر قليلة، وهذا مثل غير حصريّ، شهدنا فصلاً هزليّاً كان عنوانه "الجناح العسكريّ لآل المقداد" الذي وقع علينا مثلما تقع الأفلام العجائبيّة.
لكنّ الهزليّ لا يبدو كذلك إلاّ لنخبة ضيّقة من اللبنانيّين، إذ لو أدرك "الأهالي" في كفر ذبيان هزليّة الحركة الأسيريّة لما قاموا أصلاً بما قاموا به. ذاك أنّ الجدّيّة التي تضفيها أغلبيّة السكّان الكاسحة على الهزليّ تجد ما يمهّد لها في بعض وجوه السياسة اللبنانيّة وبعض أفعالها. نتيقّن من هذا حين نستعيد الجنرال ميشال عون صوتاً وصورةً، أو حين نقرأ في إحدى الصحف أنّ حزب الله قرّر أن يجعل بناء الدولة أولويّته، أو حين نسمع عن "أهالٍ" في الجنوب قطعوا الطريق على القوّات الدوليّة، أو عن "أهالٍ" آخرين في صيدا قطعوا الطريق على الجنوبيّين.
فإذا ما نظرنا بمنظار لبنانيّ إجماليّ، تبدّى السلفيّون بوصفهم تتويجاً أعلى لتلك الظاهرات المبعثرة. فهم، مثلاً، يريدون دخول الحياة السياسيّة، مع ما يعنيه ذلك تعريفاً من كسب الناس الذين يمكن كسبهم وتحييد أولئك الذين لا يمكن كسبهم. إلاّ أنّ السلفيّين، الذين ينمّطون أنفسهم مظهراً وملبساً، لا يفعلون إلاّ تنفير وإخافة الذين لا ينتمون أصلاً إلى بيئتهم.
وربّما كانت هذه المفارقة مصدر السرّ الذي يجعل السلفيّة أعلى مراحل الهزليّة في اللوحة اللبنانيّة، كما يجعل الشيخ الأسير نجم المرحلة هذه حتّى وهو "ينفتح" على الآخر. لكنْ ينبغي ألاّ ننسى هنا أنّ هذا صدّ الآخر قائم أصلاً في التراكيب الطائفيّة إبّان لحظات احتقانها.
والهزليّ يُضحكنا لأنّه مضحك. بيد أنّ الاستغراق في الضحك قد لا ينجّينا، مع تغيّر الظروف، من استغراق آخر في البكاء.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة