من أصعب المقالات التي أكتبها هي تلك المعدة للنشر يوم الانتخابات العامة. مشكلتي انني شخص أحاول التركيز دائما على الايجابيات، وربما أحيانا لأسباب ساذجة أو مثالية ولكن من الأفضل دائما التفكير بالنصف المليء من الكأس.
في انتخابات 2007 كتبت مقالا بعنوان “فلتكن آخر انتخابات بقانون الصوت الواحد” داعيا إلى المشاركة ولكن مع المطالبة بإنهاء القانون الذي دمر الحياة السياسية ودور البرلمان الأردني. في الانتخابات الماضية دعوت ايضا إلى المشاركة التي هي أفضل من المقاطعة ومحاولة استثمار أي صوت لصالح التغيير، وهذا ما لم يحصل للأسف.
في الانتخابات الحالية كنت مقاطعا حتى آخر يوم في فترة التسجيل حيث سجلت واستلمت بطاقتي الانتخابية ووضعتها في تابلوه السيارة انتظارا ليوم الاقتراع وقراري في الخروج من البيت للتصويت أو الامتناع، مستندا في ذلك إلى عنصرين أساسيين هما مدى ثقتي بنزاهة العملية الانتخابية، ونوعية المرشحين.
اليوم سأذهب للتصويت لثلاثة اسباب رئيسة أود عرضها هنا، حيث أن مقالي موجه لمن لا يزال في حالة حيرة، بينما احترم قرار كل من يقاطع وكذلك قرار كل من يشارك دعما لمرشح معين أو قائمة محددة.
السبب الأول للتصويت هو الرغبة بإنجاح تجربة الهيئة المستقلة للانتخابات والتي كان إنشاؤها واحدا من أهم مطالب المعارضة الأردنية، وعندما تم إنشاء الهيئة بدأت المعارضة بالتشكيك بها بطريقة غير مهنية وأحيانا غير أخلاقية.
يدير الهيئة سياسي وطني محترم ونظيف لا يزاود عليه أحد ومعه طاقم من الكوادر الذين بذلوا جهدا خارقا بتنظيم الانتخابات بالطريقة الأكثر نزاهة وطالبوا بشدة بتنظيف الانتخابات من المال السياسي ما استدعى التحرك الأخير للدولة.
نجاح الانتخابات يعني نجاح الهيئة واستمرارها بالإشراف على كافة الانتخابات اللاحقة، وفشل الانتخابات سيضرب مصداقية الهيئة وهذا ليس في مصلحة أحد باستثناء القوى التي تريد العودة إلى شكل غير شفاف وغير نزيه من الممارسات الانتخابية.
السبب الثاني للتصويت هو في وجود القوائم الانتخابية والتي تمثل مستقبل العمل السياسي في الأردن.
صحيح أن عدد المقاعد المخصصة الآن هو 27 ولا يحقق شروط التكتل السياسي في البرلمانات الحديثة ولكنه بداية يمكن البناء عليها.
وجود 61 قائمة تتنافس على 27 مقعدا هو ايضا عشوائية متوقعة في هذه المرحلة المبكرة ولكن على الأقل بدأنا نرى مرشحين من عمان يزورون الأغوار للحصول على التأييد ونشر أفكارهم وكذلك مرشحين من إربد يذهبون للعقبة وآخرون من الطفيلة يذهبون للمفرق.
هذه هي الطريقة الوحيدة لبناء ديمقراطية وطنية تتجاوز القيود الضيقة للدائرة المحلية وعندما أذهب كناخب في عمان للتصويت لقائمة وطنية تضم مرشحين من الكرك وإربد والطفيلة ومأدبا مسلمين ومسيحيين ومن مختلف الأصول والمنابت فإنني سأصوت لأول مرة خارج القيود الضيقة التي حشرتني بها الدولة منذ العام 1989.
السبب الثالث للتصويت هو أن المعسكر المناهض للانتخابات، مع كل الاحترام لا يملك خيارا بديلا. صحيح ان هنالك وجهات نظر مقنعة جدا من قبل غالبية المقاطعين ولكن السلبية لن توجد التغيير. لا يجب أن نبقى مثل العجوزين في شرفة برنامج “مسرح الدمى” ننتقد كل شيء بدون أن نسهم ولو بقسط صغير في أمل التغيير ومنح صوت لأية قائمة أو مرشج نعتقد أنه سيحمل هذه المسؤولية في البرلمان.
نحتفظ بالأمل والتفكير الإيجابي ونذهب لنصوت، راجين ألا يتم تشويه هذه الانتخابات كما سابقاتها.
الدستور
|