الجمعه ٢٠ - ٩ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ٢٠, ٢٠١١
المصدر: جريدة الحياة
 
في استحالة انتقال «العدوى» المصرية الى لبنان - حازم الأمين

قال لي مروان الذي شــهد فصولاً من حركة التغيير في مصر ان السعي لتفسير ما جرى هناك بعقول مجهزة بآلة التحليل والتفســير المعهودة لن يساعد على فهم ما جرى، ودوافع المصريين لإحداث التغيير لا يمكن احصاؤها. فمنذ وصوله الى القاهرة قبل نحـــو أربع ســنوات وهو يلاحظ ان المصريين يعيشون تحت وطأة شعور بأن بلدهم سينهار فــوق رؤوســهم. وفــي كل يــوم كان مروان يشهد عشرات المؤشرات التي تؤكد صحة هذا الشعور.


البلد سينهار، حقاً سينهار. الجميع كان يعيش هذه الحقيقة، والجميع كان يعاينها. والأسابيع الثلاثة التي شهدت اليقظة المصرية لم تكن «لحظة سحرية»، كما يُحاول صديقنا الآخر محمد تفسيرها، انما كانت فرصة مُنحوها للتخفف من هذا الشعور. شعور بأنك تعيش في مبنى مهدد بالسقوط فوق رأسك. هذا حرفياً ما كان يعيشه المصريون، وفق مراقب يعيش بينهم ولكن من خارجهم.
لكن الربيع المصري، وقبله التونسي، جعل يؤرق الجميع في شرقنا، ليس فقط لأن التظاهرات راحت تشتعل في أكثر من بلد، انما لأن مصر طرحت سؤالاً كبيراً على الجميع مفاده: كيف يمكن نقل التجربة؟ والسؤال مستمد من شعورنا جميعاً بأن خطأ ما يجب تصحيحه، وبأنها مصر، ذلك البلد الذي استعاد قدرة على نشر العدوى لطالما كان يملكها.


في لبنان طرح كثيرون هذا السؤال من دون ان تكون لديهم صورة واضحة عما يجب تغييره. فللطائفية مثلاً، بصفتها أبرز معضلات التركيبة السياسية، جمهورها الذي يفوق أي جمهور آخر. وفي لبنان للفساد جمهور، اذ ان الطوائف قد تحب فساد قادتها، في الوقت الذي تكره فيه فساد قادة الطوائف الأخرى! للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان جمهور يحبها وآخر لا يحبها، ولسلاح «حزب الله» أيضاً... اذاً ما هي العناوين التي يمكن ان تشكل إجماعاً يمكن توظيفه في حركة تغيير مشابهة لما جرى في مصر.


استعادة الحدث المصري في سياق البحث عن تغيير في لبنان لا تخلو من فائدة. فعناصر التباعد في لبنان تلك التي تعيق تغييراً واشتراكاً في مطلب وطموح، لا تعدم في مصر ما يوازيها، من دون ان تتمكن الأخيرة من منع التغيير. لا شك في ان برنامج الإخوان المسلمين وطموحاتهم في مصر ليست موضع اجماع المصريين، ومعاهدة السلام مع اسرائيل أيضاً ليست موضع اجماع. ولا شك أيضاً في ان للأقباط ضائقتهم بين متعصب لهم ومتحفظ على حقوقهم. كل هذه عناوين غير مجمع عليها بين المصريين، لكن مروان العائد من القاهرة قال ان الشباب في ميدان التحرير عندما التقوا كانوا فعلاً خارج هذه الأسئلة، لا بل ان هاني عندما كان ينسّق مع وائل لاستقدام مزيد من المتظاهرين، لم يكن يعرف ما هو موقف الأخير من معاهدة كامب ديفيد، وكثير من شباب الإخوان المسلمين عندما بدأت قيادتهم بمفاوضة السلطة، لجأوا الى مجموعة شبان علمانيين، والتحقوا بهم في الميدان من دون ان تشكل الفروق في اللحى المختلفة الأشكال مجالاً لاكتراث أحد او انتباهه.
اذا أردنا استعمال الحساسية اللبنانية في وصف ما جرى في مصر، يمكن ان نسمّي الحال التي وصفها مروان «حساسية فوق وطنية»، ذاك اننا نعتقد مثلاً ان المقاومة هي العنصر الرئيس في الحساسية الوطنية، او المحكمة الدولية، وتجاوز هذا المركب للقاء الآخرين يعني تجاوزاً للمضمون الوطني.


اذاً الاجابة عن السؤال عما هو مطلوب لمحاكاة الحدث المصري والتونسي لبنانياً، ربما تقتضي البحث عن معنى جديد لأن تكون لبنانياً، وهو أمر يرشح لبنان لأن يكون في المرتبة الدنيا لدومينو التغيير الزاحف الى المنطقة، اذ يجب ان يسبق التغيير انتاج وطنية جديدة مختلفة وبعيدة من معاني الاستقطاب الراهنة. وكم يبدو هذا الأمر صعباً، بل مستحيلاً، في ظل المشهد الحالي. كم يبدو صعباً استبدال حسن نصرالله وسعد الحريري وميشال عون بنسخ من وائل غنيم.


ثم ان المادة الأولية للانتفاضة المصرية، المتمثلة بالشعور بأن المبنى سينهار على رؤوسنا، كم تبدو قليلة الفعالية في لبنان، اذ إننا سبق ان كابدنا سقوط المبنى فعلاً على رؤوسنا، ولم يعن ذلك لنا ضرورة مغادرة قناعاتنا وانحيازاتنا.
لبنانيون كثر يفكرون اليوم بما جرى في مصر، ويطرحون على أنفسهم أسئلتها. تشعر بذلك في كل مكان في بيروت، وربما شكل ذلك أملاً ببداية قناعة بضرورة الانتقال. ولا شك في ان مصر هزت القناعات، وبلورت أولويات جديدة. فالمقتنع بأن المحكمة الدولية مخرج لا بد منه، قد لا يُطلب منه التخلي عن قناعته في سياق التغيير المطلوب، والمعتقد بأن المقاومة قدر وليست خياراً، من الممكن ان يتصرف مع قناعته على النحو الذي تصرف به شباب الإخوان المسلمين في ميدان التحرير.


بقي لنا والحال هذه ان نبحث عن مادة التغيير، أي ما الذي نريد ان نغيره؟ في مصر قرر الناس هناك انهم يريدون حماية المبنى ومنع سقوطه على رؤوسهم. في لبنان سبق ان سقط المبنى على رؤوسنا، وهو اليوم هيكل هش قابل للسقوط. فهل يمكن اللبنانيين ان يتواطأوا على قناعة مفادها ان هؤلاء جميعهم هم رموز الانهيار المحتمل؟
في مصر جرى ذلك، فكثيرون من الشباب الذين شاركوا في التحرك خرجوا من عائلات «قليلة التضرر من نظام الفساد» اذا لم نقل مستفيدة منه. وكثيرون أيضاً انخرطوا في الاحتجاجات من دون سابق ضغينة على النظام. هكذا، وفجأة، شعروا بأن من الممكن ان يُغيروا حياتهم كلها!


الشباب هم من فعل ذلك، واستدرجوا لاحقاً أهلهم وأحزابهم. وفي لبنان اذا لم يُقدر للشباب فعل ذلك، فهذا يعني ان النظام، برموزه وطوائفه وأحزابه، تمكن من بعث شيخوخته فيهم.
هذه المعادلة تلوح في ذاكرتي كلما استعدت حقيقة ان وائل ابو فاعور هو من اختاره وليد جنبلاط ممثلاً لجيل الشباب في الحزب التقدمي الاشتراكي. وأقول في نفسي دائماً كم يبدو جنبلاط أكثر شباباً منه.

 



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة