لم يعد أى قرار أو إجراء أو تصريح من عضو ظاهر أو خفى بجماعة مفاجئاً، المفاجئ حقاً هو أداء جبهة الإنقاذ الذى يضمن لها فى أحسن الأحوال موقع «المعارضة الدائمة» أو بمعنى أصح «المعارضة الباقية طالما بقى حكم جماعة الإخوان» ثم الرحيل معه فى ثورة قادمة تخلص البلاد من كل قديم، الطيب منه واللئيم، وتضع أهداف الثورة فى حيز تنفيذ.+
هذا هو الخيار الأسوأ، لأنه الأكثر كلفة على مصر. وللأسف، يشير الواقع إلى أن الجبهة تمضى نحو تشابك المصير مع الجماعة، إذا لم تعلن القيادات صوماً قصيراً عن الفضائيات تتأمل فيه وضعها، لتدارك الخطأ القاتل بالبقاء فى مربع تبادل الذم مع جماعة الحكم.
فرضت الجماعة أرض المعركة، ولأنها تمتلك القرارات التنفيذية فقد فرضت التوقيت أيضاً. ولم يبق أمام الجبهة إلا تلقى الهزيمة، حتى لو رفضتها. اختارت الجماعة قضية «الإيمان والكفر» أرضاً للمعركة، وهى لا تملك غيرها. وتمكنت من جعل كلمة «نخبة» معادلاً لكلمة كفر. وما كان من «النخبة» إلا أن رمت الجماعة بالفشل ومحاولة تضليل البسطاء.
ولأن الجبهة لم تضع خطة عمل فى مواجهة خطة الإخوان، تبدو مقولة الفشل وكأنها محاولة من النخبة لإسقاط تهمة الكفر عن نفسها، أو مجرد ادعاء لا يقنع إلا «المؤمنين» بالنخبة تحت أى ظرف مثل المؤمنين بالإخوان مهما ساء صنيعهم. ولا يجد الإخوان صعوبة فى الرد على اتهامهم بالفشل واتهام النخبة بالتسبب فيه، لأنها لا تدع فرصة للهدوء من أجل العمل!
ونتيجة هذه المعركة الإيمانية هى ما تؤكده نسبة التصويت التى تتراوح حول ٣٠%. وهذه النسبة هى نسبة المؤمنين التابعين للمعسكرين. وهناك ٧% من المصريين خارج المعادلة، وهذه السبعة تشمل الصامتين بقدر ما تشمل القطاع الأكثر راديكالية من المشاركين فى الثورة الذين يعرفون تماماً حجم قدرات الإخوان ويشكون فى قدرات جبهة الإنقاذ. ويوماً بعد يوم تكتسب مقولة الإخوان بأن الجبهة تصارع فقط من أجل السلطة شيئاً من المصداقية.
وبصراحة فإن الجبهة مرشحة لمزيد من الخسارة؛ لأن الإخوان لم يفرضوا أرض المعركة فقط، بل إنهم بما يملكون من سلطة يحددون زمن المعارك كذلك، ويفرضون على الجبهة اللهاث، خصوصاً فى مسألة الاستفتاءات والانتخابات. ولن يكون للجبهة وجود إلا إذا بادرت بتغيير أرض وزمان المعركة. تغيير الأرض يتطلب وضع المشروع الذى لم يتبناه الإخوان موضع تنفيذ فى شكل برنامج عمل، ربما يتطلب الأمر إعلان حكومة ظل لدى أعضائها حقائب وزارية محددة. ما تركه الإخوان فى الزراعة يعلنه وزير زراعة الجبهة بشكل محدد، ما سكتت عنه من دعم طاقة الأغنياء يفضحه وزير الطاقة ببرنامج مضاد، ما تطرحه من بيع للأصول يضع وزير اقتصاد الظل بديله التمويلى الآمن.
وتغيير وقت المعركة، يمكن أن يكون من خلال إيقاف الساعة. بوسع الجبهة أن ترفض توقيت انتخابات مجلس النواب تماماً لتتفادى كارثة خطف الدستور، أما السير فى طريق تحت ضغط الأمر الواقع فإنه يجعل من الجبهة جزءاً من نظام يهتم به ثلاثون بالمئة من المصريين تأييداً ومعارضة، فهل كان نظام مبارك يتمتع بأقل من ذلك؟
وإن كان لنا أن نثق فيما تقوله اللغة؛ فلنتأمل كلمة «المعارضة» التى ألحقت بالجبهة، فصارت فى لغة الأخبار: «جبهة الإنقاذ المعارضة» فهل صار علينا التسليم بوجود نظام مستقر فى السلطة ومعارضة مستقرة فى الهامش؟ أسوأ ما يعزز هذا الطرح هو تصريحات ممثلى الجبهة الذين يحرصون على أن هدفهم ليس إسقاط الرئيس. والسؤال: إذا كان الإسقاط بالطرق السلمية ليس هدفاً للمعارضة، وإذا كان الرجل وجماعته يعززون وجودهم داخل السلطة وخارج القانون، فهل تكون الجبهة سوى ديكور يتبع النظام ويفتقد مثله للشرعية؟!
|