كان أحد خبراء البنك الدولي قد استقال من عمله احتجاجاً على ما سماه إبادة الفقراء، وذلك على سبيل السخرية ممن يتحدثون عن ابادة الفقر، فأقصر الطرق لإنهاء دراما الفقر في العالم هو قتل الفقراء!.
وما نشاهده على الفضائيات المصرية من ندوات وتحذيرات من ثورة الجياع وارتفاع منسوب الفقر بشكل ينذر بكوارث تكون الفواصل فيه اعلانات صاخبة عن مختلف الأطعمة والاشربة، ولا شيء آخر وكأن الانسان يعيش ليأكل وليس العكس، انه تعذيب بل تنكيل على مدار الساعة بالفقراء، لأن إسالة لعاب أطفالهم على ما لا يملكون أصبحت حرفة اعلانية مُتلفزة، لهذا تبدو عبارة الخبيرهانكوك الساخرة أدق تعبيرا عن عالم يعج بالتناقضات، ويلقي الانسان في اليم ثم يقول له اياك ان تبتل بالماء لتكون النتيجة ان هذا الانسان يغرق في دمه ودم الآخرين وليس في الماء فقط.
وفي بلدان يجهل أكثر من ثلثي سكانها السلع التي تقدمها الاعلانات بمشاهد توقظ المكبوتات كلها يصبح الخلل جذريا وغير قابل للترميم بين ثقافة استهلاكية محسومة وبين القدرة على اشباع الحاجات.
نعرف ان التوحش الرأسمالي لا يعرف الحدود ولا يعبأ بما ينتجه من دمار انساني وافساد للسايكولوجيا واحراف لطبائع الناس، لكن حين تثقب أنياب هذا المال المتوحش شاشات التلفزة، ويصبح العذاب على طريقة بافلون الذي ربط بين صوت الجرس ولعاب الكلاب فان المنتظر من هذا كله يجب أن لا يفاجئنا، وثمة فارق بين اعلان عادي وفي الحدود المقبولة انسانيا وثقافياً وبين اعلانات سادية تعذب من يشاهدونها، لهذا فان ارتفاع نسبة الجرائم المتعلقة بالسطو وقطع الطرق في الظهيرة هو حصيلة منطقية لمثل تلك المقدمات والاسباب وفي زمن يشتبك فيه الاطفال مع القطط والكلاب على النفايات ومنهم من يفقدون أعضاءهم علينا ان لا نتعجب اذا أصبح الشعور بالأمان فردوساً ضائعاً، لأن السلم الاهلي بكل مستوياته يصبح في مهب الفوضى وتتراجع كل الكوابح على اختلاف مرجعياتها بسبب اندفاع الغرائز على نحو جنوني.
تصوروا مثلاً ان مقدم أحد البرامج عن اوضاع الفقراء عرض للمشاهدين عينة من طعامهم الذي قد تعف عنه البهائم، وكنت أتمنى ان يفعل ما فعلته الكاتبة الفرنسية سيمون دوبوفوار في خمسينات القرن الماضي، عندما دعت عدداً من البراجوازيات في بلادها الى وجبة طعام بنغالية من النوع الذي يباع على الارصفة وتلتصق به الحشرات، ثم قالت لهن.. ان اعتذاركن لهؤلاء البشر يجب ان يبدأ بتناول وجبة من طعامهم اليومي.. هذا اذا كان يومياً بالفعل، فهم أحياناً يأكلون بالتناوب، وينامون بالتناوب.
كفى تنكيلاً لهؤلاء الجياع، وتعذيباً لأطفالهم، لأن هناك اعلانات يجب ان يسبقها تحذير لأطفال الفقراء من مشاهدتها تماماً كما يحدث في أفلام البورنو والرعب.
ان اعلاماً داجناً تحت أقدام رأس المال المتوحش هو منتج غزير للجرائم والانحرافات، لهذا فان فاقد الشيء لا يعطيه!.
|