الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ١٤, ٢٠١٣
المصدر: موقع عمون الاردني
الملكية غداً - محمد أبو رمان

"لن تكون الملكية التي يرثها ولدي نفس الملكية التي ورثتها أنا"؛ ربما تكون هذه الرسالة هي الأكثر أهمية ودلالة في مقابلة الملك الأخيرة مع المجلة الفرنسية "لونوفيل أوبزرفاتور".

لا أظن أحداً من المعارضة الإسلامية وغيرها يختلف مع الملك فيما طرحه من تصوّر استراتيجي نحو "الصيغة الجديدة" للملكية في المستقبل؛ تقوم على حكومات برلمانية تحظى بالأغلبية، ومعارضة برامجية (حكومة ظل)، وأحزاب "تتنافس بشكل عادل في الانتخابات". بل أضاف الملك بوضوح شديد في المقابلة، أنّ التعديلات الدستورية القائمة ليست إلاّ "جرعة أولى" من التعديلات المطلوبة باتجاه التغييرات المطلوبة.

 

إذا كان هذا التصوّر يمثّل طموحنا جميعاً، ويتضمن أهدافاً تعكس السقف التي تطرحه القوى السياسية نفسها "إصلاح النظام"، فإنّ الاختلاف الحالي الذي أضرّ بالمشهد الانتخابي وبالعملية السياسية، يدخل بصورة واضحة في ترسيم معالم طريق الوصول إلى هذه الأهداف والخيارات الاستراتيجية، ومراحل إنجاز هذا التحول التاريخي.

 

وإذا قمنا بتجاوز عناوين الاختلاف الحالية؛ مثل قانون الانتخاب الحالي وبعض المواد الدستورية والتفاصيل، فإنّ ثلاثة عوامل جوهرية تقف وراء غياب التوافق الوطني والمشاركة الفاعلة من الجميع للدفع باتجاه هذه الأهداف..

 

العامل الأول، يتمثّل في "فجوة الثقة" بين الدولة والمعارضة، والحكومة والمواطنين، والتي تكرّست خلال السنوات الماضية، ممّا عزّز شعوراً كبيراً لدى الرأي العام بعدم مصداقية الحكومات وأجهزة الدولة على صعيد نوايا الإصلاح السياسي والتغيير؛ ما يجعل من الخطوات المتدرّجة المرحلية للوصول إلى إصلاحات توافقية آمنة محلاً للتشكيك من المعارضة، في دولة تحتاج إلى توافق وطني واسع لمواجهة "المعادلات المركّبة" داخلياً وإقليمياً. يندرج في هذا المجال، أيضاً، تشكيك الدولة في نوايا المعارضة، وتحديداً الإخوان المسلمون، والخشية من تغوّلهم على المشهد السياسي، وتوطيد قوتهم وحضورهم، في ظل ضعف الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، وعدم التزامهم باحترام الديمقراطية بعناصرها المختلفة. هذا الهاجس بدا واضحاً في حديث الملك مع المجلة. وهو هاجس مشترك يضم نخبة واسعة من السياسيين والمثقفين في مختلف الدول العربية، كما نرى في مصر وتونس ودول أخرى، وعبّر عنه الملك بعبارة الانتقال من "الدكتاتوريات العلمانية إلى الدكتاتوريات الإسلامية"، وحديثه الصريح عن حقوق المرأة وحريات المواطنين والأقليات، وخشيته من انقلاب الإسلاميين على نتائج الديمقراطية في مرحلة لاحقة، وتغيير قواعد اللعبة.

 

ربما هذه الصراحة الاستثنائية تتطلب محليّاً تعزيز قنوات الحوار واستدامتها بين الحكومة والحركة الإسلامية، للتأكيد على الصورة الجديدة للدولة والنظام، والمراحل المطلوب أن نقطعها للوصول إلى ذلك. وكما هو معروف، لا يشكّل "تفرّد" الإسلاميين مرحلياً بالشارع إلاّ معادلة واحدة من معادلات أخرى تتطلب توافقات وتفاهمات وطنية، وفي مقدمتها مسألة المواطنة والديمغرافيا التي تمسّ الهوية والاستقرار الداخلي، وخطورة بروز الهويات الفرعية.

 

العامل الثاني الذي يعمل في الاتجاه المعاكس لهذه الأهداف، يتمثّل في قطاع من التيار المحافظ والمؤسسات الرسمية التي ما تزال غير مقتنعة بأهمية التغيير وضرورته، و"تفرمل" الخطوات في هذا الاتجاه، وتفرغها من مضامينها، وتعزّز شكوك "مطبخ القرار" في المعارضة ونواياها. وهو الاتجاه الذي صادم مخرجات لجنة الحوار الوطني؛ من نظام انتخابي وديباجة ومبادئ مهمة.

 

يعزّز هذا العامل غياب الفريق القادر على حمل هذا المشروع في الدولة، وضعف "المجموعة الإصلاحية" في مؤسسات الدولة، وعدم قدرتها على تشكيل "لوبي" قوي في مواجهة القوى الأخرى، والدفع باتجاه التفاهم والحوار ومد الجسور مع المعارضة والحراك.

 

العامل الثالث، يتمثّل في ضعف "الرسالة الاتصالية" للدولة، وهزال الإعلام الرسمي، وعجزه عن نقل برمجة الخطاب الجديد والدفاع عنه؛ بل تبدو الماكينة الإعلامية وكأنّها في غيبوبة تامة عمّا يحيط بنا، حتى لو كانت عاصفة ثلجية!


الغد



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة