السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
كانون ثاني ٦, ٢٠١٣
المصدر:
جريدة الحياة
البحث عن الأمان العالمي المفقود! - السيد يسين
يمكن إذا تتبعنا التطور العالمي في دراسات العلاقات الدولية والبحوث الاستراتيجية أن نلحظ أن ثمة انقلاباً معرفياً قد لحق بمفهوم الأمن القومي.
ومفهوم الأمن القومي من المفاهيم الرئيسية لنظرية العلاقات الدولية، لأنه يركز على أنماط التهديد التي تواجه بلداً بعينه أو إقليماً محدداً في حقبة تاريخية محددة والوسائل التي تتبعها الدولة أو الإقليم في مواجهة هذا التهديد.
وفي ظل العولمة يمكن القول إن أنماط التهديد قد لا تقتصر اتجاهاتها إزاء دولة معينة، ولكن إزاء المجتمع العالمي ككل. ولعل قنبلة إيران النووية المحتملة أو الصاروخ الذي أطلقته أخيراً كوريا الشمالية نموذج بارز على ذلك.
وللأمن القومي تعريف تقليدي يذهب إلى أنه - كما يقرر الباحث الاستراتيجي أحمد سمير إبراهيم في دراسته المنشورة بعنوان «أهم القضايا والتطورات الاقتصادية الأخيرة وتأثيرها في الأمن القومي المصري» (المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية 2009) - هو «جملة المبادئ والقيم النظرية والأهداف الوظيفية والسياسات العملية المتعلقة بتأمين وجود الدولة، وسلامة أركانها، ومقومات استمرارها واستقرارها، وتلبية احتياجاتها، وضمان قيمها ومصالحها الحيوية وحمايتها من الأخطار القائمة والمحتملة داخلياً وخارجياً مع مراعاة المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية.
غير أن الثورة الاتصالية الكبرى أدت إلى تغيير جوهري في هذا النموذج المعرفي القديم للأمن القومي.
وذلك أنه نتيجة بروز مجتمع المعلومات العالمي global information society الذي حل محل المجتمع الصناعي القديم، ظهر مفهوم جديد هو الأمن القومي المعلوماتي نتيجة لظهور البث الفضائي التلفزيوني وشبكة الإنترنت.
وقد أدى هذا التطور التكنولوجي الفائق إلى بزوغ عصر حرب الشبكات وأصبح لدينا مفهومان جديدان للحرب هما حرب الشبكات net war والتي تسمح للدول المتطورة تكنولوجياً أن تشل رادارات الخصم، أو تغزو قواعد بياناته وتكشفها أو تخربها، والحرب الفضائية cyber war وهي الحروب التي توجه فيها العمليات على أساس مبادئ المعلوماتية.
غير أن مفهوم الأمن القومي التقليدي لحقه تطور جديد للغاية بظهور مفهوم «الأمن الإنساني» الذي طرحته للمرة الأولى «لجنة الأمن الإنساني» التي تقرر إنشاؤها للمرة الأولى في مؤتمر قمة للأمم المتحدة للألفية الذي عقد عام 2000، حيث كان هناك اتفاق عام على أهمية «التحرر من الفاقة» و»التحرر من الخوف».
ومنذ ذلك الوقت برزت مشكلات جديدة تحتاج إلى مواجهة فعالة، تتمثل في الهجمات الإرهابية والعنف العرقي والأوبئة والانتكاسات الاقتصادية المفاجئة.
وقد صاحب هذا التطور ظهور مفهوم مشابه أنتجه بعض مراكز الأبحاث الاستراتيجية الأوروبية يهدف الى توسيع التعريف التقليدي للأمن القومي هو «الأمننة» securitization ليشمل الأمن الكوارث الطبيعية والأمراض الوبائية والهجرة غير الشرعية، وصراعات الموارد، والإجرام المنظم، والعنف الاجتماعي والأزمات الاقتصادية، والإجرام الالكتروني.
والواقع أن كل هذه الاجتهادات العلمية الجديدة تأثرت تأثراً بالغاً – حتى وإن لم يعترف أصحابها بذلك صراحة - بالمفهوم الذي صاغه عالم الاجتماع الألماني إيرليش بك في كتابه «سوسيولوجيا المخاطرة» الذي كتبه بالألمانية وترجم من بعد إلى الفرنسية والإنكليزية وغيرها من اللغات، وأثر في أجيال من الباحثين.
وقد أبرز عالم الاجتماع الإنكليزي أنتوني جيدنز العلاقة بين العولمة وبروز مجمتع المخاطر، فقد قرر في كتابه «علم الاجتماع» أن العولمة تؤدي إلى نتائج بعيدة المدى وتترك آثارها على جوانب الحياة الاجتماعية جميعها تقريباً. غير أنها باعتبارها عملية مفتوحة متناقضة العناصر، تسفر عن مخرجات يصعب التكهن بها أو السيطرة عليها. وبوسعنا دراسة هذه الظاهرة من زاوية ما تنطوي عليه من مخاطر. فكثير من التغييرات الناجمة عن العولمة تطرح علينا أشكالاً جديدة من الخطر، تختلف اختلافاً بيناً عما ألفناه في العصور السابقة. لقد كانت أوجه الخطر في الماضي معروفة الأسباب والنتائج، أما مخاطر اليوم فهي من النوع الذي يتعذر علينا أن نعدد مصادره وأسبابه، أو نتحكم في عواقبه اللاحقة.
وهكذا استطاع جيدنز بهذه العبارات المركزة أن يصوغ مشكلة البحث في موضوع المخاطر، وأن يحدد علاقتها الوثيقة بالعولمة.
وفي ضوء كل هذه التطورات العلمية أخرج «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» أخيراً كتاباً مهماً عنوانه «تحولات الأمن: عصر التهديدات غير التقليدية في المنطقة العربية» حرره محمد عبدالسلام وإيمان رجب، وشارك فيه عدد من الباحثين الأجانب في مقدمهم مدير مركز نظريات الأمن المتقدم في جامعة كوبنهاغن أولي ويفر وعدد من الباحثين المصريين.
وهو يدعو في مقالته المنشورة في الكتاب إلى توسيع نطاق القضايا الأمنية بحيث لا تقتصر على النزاعات العرقية أو الإرهاب أو الأوبئة العالمية أو الأزمات الاقتصادية، لكي تشمل أنماطاً غير تقليدية من التهديدات. وفي رأيه أن التحركات السكانية في المنطقة العربية من منظور الأمن غير التقليدي، وخصوصاً الهجرة غير الشرعية، واللجوء الواسع النطاق تستحق اهتماماً خاصاً.
كما أنه – من وجهة النظر الأوروبية - فإن الهجرة والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمنطقة العربية تحتاج إلى دراسة خاصة من حيث الأبعاد الأمنية المتعلقة بأوروبا.
ونعرف جميعاً المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تواجه عديداً من المجتمعات الأوروبية وفي مقدمها فرنسا وألمانيا، نتيجة هجرة أعداد كبيرة من المسلمين القادمين من المغرب العربي أساساً وإقامتهم الدائمة، ما أدى إلى مخاوف متزايدة تتعلق باحتمال عدم قدرتهم على الاندماج في المجتمع الأوروبي، وانتشار الأفكار الدينية المتشددة بينهم، وقد يؤدي ذلك على المدى الطويل إلى ظهور حركات إرهابية تهدد المجتمعات الأوروبية المضيفة.
من ناحية أخرى هناك في المنطقة العربية مؤشرات على ازدياد معدلات العنف الاجتماعي، ويتمثل ذلك في الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر، وأنماط الجريمة المتحولة.
وإذا أضفنا إلى ذلك التغيرات البيئية في المنطقة العربية، وأبرزها التغيرات المناخية والأمراض الوبائية والكوارث الكبرى، لأدركنا أننا أمام أنماط جديدة من التهديد ليس لدولة معينة فقط ولكن للمنطقة العربية كلها.
ونأتي أخيراً الى الصراعات حول الموارد المائية لنهر النيل ومشكلات السياسة المائية وتأثيراتها المحتملة في مصائر ملايين البشر. وذلك كله يجعلنا ندرك أننا ندخل في عصر جديد يمثل تهديدات غير تقليدية في المنطقة العربية.
ويبقى السؤال: ما أبرز معالم هذه التهديدات وما السياسات التي انتهجتها الحكومات العربية في مواجهتها، وهل تتسم بالاعتماد على نتائج البحث العلمي وتقودها أفكار إيجابية تسمح بالتغلب الفعال على مصادر التهديد المتنوعة أم لا؟
ومن ناحية أخرى، فإن التدخل السياسي الأجنبي في العالم العربي وكان من أبرزه غزو العراق، وما ترتب عليه من تمزيق نسيج المجتمع العراقي، وبروز الطائفية، والنزعات الانفصالية، وزيادة معادلات البطالة، والتدهور الاجتماعي، أمثلة لخطورة التهديدات السياسية لدول العالم العربي.
وهل يمكن أن ننسى الدولة الإسرائيلية العنصرية وما تمثله من تهديدات جسيمة ليس للشعب الفلسطيني فقط ولكن للشعوب العربية ككل؟
كل هذه الظواهر تحتاج إلى منظور جديد للتهديدات غير التقليدية.
* كاتب مصري
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة