السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ٦, ٢٠١٣
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
دفاعا عن سلام فياض وضد جوفري ارونسون - حسين أيبش

أنا معجب بجوفري أرونسون وأكنّ له الاحترام، ولطالما كان تقريره عن "المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلّة" الذي يصدر كل شهرَين عن "مؤسسة السلام في الشرق الأوسط"، مرجعاً أساسياً لمن يُتابعون تطوّرات المشروع الاستيطاني. ولذلك فوجئتُ كثيراً بالانتقاد الذي وجّهه أخيراً لرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض. فانتقاداته مليئة بالمعلومات غير الدقيقة، ومحمَّلة بأسلوب التعبير العاطفي والعدائي، والأهم من ذلك، لا تُقدِّم أيّ بديل.

 

تدّعي حجّة أرونسون الأساسية الشيء ونقيضه. فهو يحاول أن يصوّر فياض بأنه "كلب مدلّل" للاحتلال لا يشكّل أيّ تهديد، وبأن مشروعه لم يخدم سوى المصالح الإسرائيلية والأميركية. إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين المؤيّدين للاحتلال يعتبرون أن برنامجه لبناء المؤسّسات يشكّل تهديداً، مما يدفعهم إلى وصفه بأنه "عائق أمام السلام".


لكن منذ البداية، كانت سياسات فياض التهديد المحتمل الأكبر لكل أولئك الذين لا يريدون، في الجانبَين، حلّ الدولتين المستند إلى تسوية. والسبب هو أن برنامجه نجح في أن يبدأ بإرساء البنى التحتية لدولة فلسطينية مستقلّة. وهكذا فإنّ المُنادين بإسرائيل الكبرى نظروا إليه دائماً بتوجّس شديد، وكذلك مؤيّدو حركة "حماس" والدولة الواحدة. العداء الذي يشعر به المتطرّفون تجاه فياض ليس بالأمر الجديد.


يزعم أرونسون انه "من الواضح أن فياض أصيب باليأس من استراتيجيّته الفاشلة لبناء الدولة". ليس هناك أي دليل عن هذا الكلام على الإطلاق. لقد كان فياض أوّل من وصف الأحداث الأخيرة التي أضعفت المعتدلين وعزّزت موقع المتطرّفين، ولا سيما "حماس"، بأنها "هزائم عقائدية"، بحسب تعبيره. لكن ما أدّى إلى تعطيل مشروع فياض هو الضربة المزدوجة التي أعقبت المبادرات الديبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة، والتي تمثّلت في قيام إسرائيل بحجب العائدات الضريبية عن السلطة الفلسطينية، والتراجع الحاد في المساعدات من الغرب.


في الواقع، لم ييأس فياض، لكنه يبحث كالعادة عن حلول: قروض مصرفية وحلول مالية موقّتة أخرى؛ ومقاربات لدفع الغرب إلى استنئاف مساعداته أو للحصول على مساعدات أكبر من العالم العربي؛ ومحاولة بناء منظومة موثوقة ومنتظمة تقوم إسرائيل بموجبها بتحويل العائدات إلى السلطة الفلسطينية وفقاً لأحكام بروتوكول باريس. أما أرونسون فيقبل المزاعم الإسرائيلية بأن جزءاً كبيراً من الديون الفلسطينية المستحقّة لإسرائيل هو عبارة عن ديون حكومية، لكنه مخطئ في ذلك لأن هذه الديون تترتّب في الواقع على شركات خاصّة.


ويزعم أرونسون بطريقة غريبة أن جورج دبليو بوش هو من "قذف" شخصياً بفياض إلى صفوف المناصب القيادية الرفيعة في السلطة الفلسطينية. ويدعم زعمه هذا بتأكيدٍ سخيف قائلاً بأنه نظراً إلى أن فياض درس في جامعة تكساس، "كان بوش يشعر عندما ينظر في عينيه، وكأنه شخص من تكساس". إنها حجّة لا أساس لها من الصحّة، وتبحث بدون جدوى عن أدلّة غير موجودة. وهي تشير إلى إنه يجب عدم أخذ المقال ككل على محمل كبير من الجدّية. في الواقع، الرئيس ياسر عرفات هو من عيّن شخصياً فياض وزيراً للمال عام 2002، بعدما كان ممثّلاً للسلطة الفلسطينية في صندوق النقد الدولي من 1996 إلى 2001. وأكثر من ذلك، كان فياض أيضاً وزيراً للمال في حكومة الوحدة الفلسطينية التي ضمّت "حماس" من آذار إلى حزيران 2007.


لكن أرونسون يزعم أن بوش نصّب عام 2002 محمود عباس الذي كان آنذاك رئيساً للوزراء (رئيس السلطة الفلسطينية حالياً) وفياض، "فريق البدل الأميركي في فلسطين" من أجل تهميش سلطة ياسر عرفات. هذا الادّعاء هو من نسج الخيال، ويصل إلى حدّ الافتراء. في الواقع، عمِل فياض جيداً مع عرفات، في حين أن عباس استقال من رئاسة الوزراء ولم يعد إلى السلطة إلا بعد وفاة عرفات. رواية أرونسون عن هذه المرحلة بكاملها - وأدوار فياض في السياسة الفلسطينية وعلاقته مع الولايات المتحدة - تآمرية ومضلَّلة ومضلِّلة وخاطئة تماماً.


يكتب أرونسون أن موقع فياض "غير دستوري" لأنه عُيِّن عبر اللجوء إلى "حيلة مشبوهة دستورياً"، وكأنّ المشكلات المتأتّية عن غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية والانتخابات تقتصر عليه وحده دون سواه. ويزعم من دون أي إثبات أن فياض "وعد بتلبية مطالب بوش بإرساء حاكمية كفيّة". هذه الجملة المشينة والمهينة تنطلق من فرضية واحدة لا غير تعتبر أن "الحاكمية الكفيّة" يجب أن تُفرَض من الآخرين على الفلسطينيين، ولا يمكن أو لا يجب أن تكون طموحاً وبرنامجاً وسياسة فلسطينية طبيعية وضرورية ومستقلّة. وهو يتجاهل أن الدعوات لإجراء مثل هذه الإصلاحات هي مطلب دائم للمجتمع المدني الفلسطيني، وتعود إلى حقبة عرفات.


أرونسون محق عندما يكتب أنه على الرغم من النجاحات الموثَّقة جيداً على الأرض، لم تتمكّن سياسات بناء المؤسّسات من تحقيق الاستقلال الفلسطيني، وهو ما يُردّده فياض باستمرار. لم تكن الغاية من تلك السياسات أن تحقّق بمفردها ذلك الهدف، لأنها غير قادرة على ذلك، بل أريد لها أن تكون جزءاً من استراتيجيات هرمية تنطلق من الأسفل إلى الأعلى عند مستوى القاعدة، ومن الأعلى نحو الأسفل عند المستوى الديبلوماسي. على الرغم من أن برنامج بناء المؤسّسات قطع أشواطاً هائلة حتى نهاية عام 2011، يتعرّض لضغوط هائلة في الآونة الأخيرة بسبب الأزمة المالية، وهو ما يردّده فياض نفسه مراراً وتكراراً.


لا بد من الإشارة إلى أن أرونسون لا يقترح أي بدائل. تستند مقاربة فياض إلى افتراضَين: 1) إذا لم يعمل الفلسطينيون لبناء دولتهم، فلن تصبح لديهم دولة أبداً؛ و2) يتوقّف السلام على أشخاص عقلانيين لدى الطرفَين يُقدِّمون تنازلات من أجل التوصّل إلى اتفاق يقوم على بناء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. إذا كان أرونسون يُعارض هذين الافتراضَين، وإذا كانت لديه مقاربة أفضل لتسوية النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، فليتفّضل بعد مقاله المستهجَن ويتشاطرها معنا جميعاً، وبسرعة.

 

كبير الباحثين في فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين 


"الدايلي بيست" ترجمة نسرين ناضر



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية
تل أبيب ترفض التهدئة وتستدعي قوات الاحتياط
مصير الانتخابات الفلسطينية يحسم اليوم
استطلاع: «فتح» تتفوق على «حماس» والبرغوثي يفوز بالرئاسة
المقدسيون مدعوون للانتخابات عبر مراكز البريد
مقالات ذات صلة
أيضاً وأيضاً: هل يتوقّف هذا الكذب على الفلسطينيّين؟ - حازم صاغية
حرب غزة وأسئلة النصر والهزيمة! - أكرم البني
إعادة اختراع الإسرائيليّة والفلسطينيّة؟! - حازم صاغية
لا قيامة قريبة لـ«معسكر السلام» - حسام عيتاني
... عن مواجهات القدس وآفاقها المتعارضة - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة