الثلثاء ٨ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: كانون ثاني ٣, ٢٠١٣
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الأموال الاميركية ومؤسسات المجتمع المدني المصري: أين الشفافية؟ - السيد يسين - القاهرة

وُفِّق الرئيس الدكتور محمد مرسي في خطابه الذي ألقاه أمام مجلس الشورى في أول جلسة له بعد إقرار الدستور في إثارة موضوع الدولة العصرية باعتبارها ينبغي أن تكون أحد الأهداف الرئيسة التي يحاول المجتمع في المرحلة الراهنة بناءها على أسس صحيحة.

 

وقد لفت نظري أنه أشار إلى ثلاثة عوامل رئيسة يمكن بالاعتماد عليها بناء هذه الدولة العصرية، وهي تدعيم دولة القانون، وتوافر الإعلام المسؤول، والدور الإيجابي الذي ينبغي على المجتمع المدني أن يلعبه في مجال التنمية المستدامة.


والواقع أن الدولة العصرية تحتاج لتأسيسها إلى عوامل أخرى متعددة لم يعالجها الدكتور مرسي، لأنه لم يكن بصدد حصر كل جوانبها وتعدادها ومعالجتها. غير أن الذي يلفت النظر أنه بالإشارة إلى العناوين الثلاثة التي أشرنا إليها لم يستوف نقاطاً أساسية كان ينبغي عليه التعرض لها، ليس على أساس نظري ولكن من واقع الممارسة العملية، وخصوصاً بعد الأحداث الحافلة التي وقعت في مصر ومازالت تقع كل يوم بعد ثورة 25 يناير.


ولا شك في أن رئيس الجمهورية في تركيزه على أسبقية دولة القانون في بناء الدولة العصرية يتفق مع علماء السياسة الذي نظروا منذ قديم لموضوع الدولة وخاصة في النموذج الديموقراطي. وذلك على أساس أنه ليس هناك دولة عصرية بدون التطبيق الدقيق لمبدأ سيادة القانون، في إطار مبدأ استقلال القضاء تنفيذا لمبدأ دستوري راسخ هو الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.


وكان يتعين على رئيس الجمهورية أن يعلق نقدياً على ممارسات الدولة في عهده والتي هدفت – وخصوصاً في موقفه من إقالة النائب العام وتحجيم سلطات المحكمة الدستورية العليا- إلى العدوان على السلطة القضائية بمبررات سياسية تتحدث عن أهمية تحقيق الاستقرار السياسي والعبور من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة بناء المؤسسات.


لا بأس لو كان الدكتور مرسي في هذا الصدد مارس فضيلة النقد الذاتي كما يفعل عديد من الزعماء السياسيين في الدول الديموقراطية العصرية، فذلك كان جديراً بتثبيت هذه الفريضة الغائبة من الممارسات السياسية المصرية.


غير أنه أخطر من ذلك كله العدوان الغوغائي الذي مارسته حشود جماعة الإخوان المسلمين حين حاصرت مبنى المحكمة الدستورية العليا، ومنعت قضاتها الأجلاء من الدخول، مما اضطرهم إلى تعليق الجلسات إلى أجل غير مسمى.


هذه التظاهرات التي هدفت إلى منع المحكمة من إصدار أحكامها – أياً كانت- الخاصة بشرعية مجلس الشورى من ناحية والجمعية التأسيسية لوضع الدستور من ناحية أخرى، تمت بناء على أوامر صريحة من قادة حزب "الحرية والعدالة" والذين صرح أحدهم علانية أنه طلب من الجموع الاكتفاء بالحصار وعدم ممارسة العنف! وكأن حصار المحكمة في ذاته ليس عدواناً صارخاً على السلطة القضائية! وكان الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية موفقاً حين أشار إلى أهمية الإعلام في بناء الدولة العصرية، وإن كان أدان ما أطلق عليه "الإعلام الفاسد".


ونحن ممن وجهوا النقد العنيف للإعلام المصري بعد ثورة 25 يناير، وخصوصاً البرامج الحوارية في القنوات التلفزيونية، ولكن ليس على أساس فسادها كما عبر رئيس الجمهورية، ولكن على أساس مخالفاتها الصارخة لقواعد المهنية، واعتدائها المتعمد في كثير من الأحيان على المواثيق الأخلاقية الإعلامية.


فعديد من هذه القنوات مارست تحريضاً للجماهير، وبالغت في تصوير بعض الحوادث الفردية، وأساءت إساءة بالغة إلى بعض مؤسسات الدولة الأساسية كالشرطة والقضاء والقوات المسلحة، كما أنها استخدمت في نقد الممارسات الخاطئة لغة شعبوية لإثارة الناس، وبلغت حدة التنافس العقيم بينها إلى اختلاق الأحداث وتضخيم الوقائع، وعدم قبول تكذيب ما بثته من أخبار غير صحيحة.


ومن هنا فإننا في حاجة ماسة إلى وضع ميثاق أخلاقي للإعلام بكل فروعه، يتضمن عقوبات مهنية تصدرها نقابات منتخبة مسؤولة – من بين وظائف متعددة - عن ضبط السلوك المهني لأعضائها، وفي مقدمها نقابة الصحافيين، ونحتاج إلى نقابة للإعلاميين في مجال الإذاعة والتليفزيون.
وقد لمس الدكتور مرسي موضوعاً مهما بإشارته إلى الدور المهم الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في التنمية.


غير أنه لدينا في هذا المجال أسئلة متعددة لم تجب عليها مؤسسات الدولة بالقدر الكافي من الشفافية. وأهم هذه الأسئلة على الإطلاق مسألة التمويل الأجنبي الذي تتلقاه بعض هذه المؤسسات، والتي تقوم في عملها على تنفيذ أجندة أجنبية تضعها المؤسسات المانحة على تعددها.


لقد نشر في الصحافة المصرية أن الولايات المتحدة منحت بعض مؤسسات المجتمع المدني ملايين الدولارات قبل ثورة 25 يناير لمساعدتها في مسألة التحول الديموقراطي وتدعيم جهودها للخلاص من النظام السلطوي أيام الرئيس السابق حسني مبارك للانتقال إلى الديموقراطية. ولكن ما الذي دفع الولايات المتحدة – كما نشر- لدفع ملايين الدولارات لبعض مؤسسات المجتمع المدني بعد ثورة 25 يناير؟ وأين ذهبت هذه الأموال؟ وما هي نسبة الفساد التي صاحبت الحصول على هذه الأموال المهولة؟ وما هي الأهداف السياسية التي توختها الحكومة الأميركية في إنفاق هذه الأموال؟
نحن في هذا المجال بالذات لا نحتاج إلى مجرد تبسيط الإجراءات الحكومية في ما يتعلق بتسجيل مؤسسات المجتمع المدني، ولكننا في أشد الحاجة إلى صياغة ميثاق أخلاقي يحكم سلوك هذه المؤسسات.


وأنا شخصياً مهتم اهتماماً خاصاً بهذا الموضوع بحكم أن "شبكة المنظمات الأهلية العربية" كلفتني بوضع ميثاق أخلاقي للعمل الأهلي، وقد صغت الميثاق كاملاً وعرضته في المؤتمر الثاني للمنظمات الأهلية العربية الذي عقد في القاهرة من 17 الى 19 ايار 1997.


وقد وافق المؤتمر على مشروع "الميثاق" بالإجماع وأقر باعتباره ميثاقاً أخلاقياً ملزماً لمؤسسات المجتمع المدني العربية. وقد نشرت الشبكة نص الميثاق ووزعته على المؤسسات المختلفة، وقمت أنا بنشره كاملاً في كتابي "الزمن العربي والمستقبل العالمي" القاهرة: دار المستقبل العربي، 1998 (الفصل السابع: آفاق المجتمع المدني العربي).


غير أن الميثاق لم يُفَعّل ويا للأسف، لأن مؤسسات المجتمع المدني المصرية رفضت الالتزام ببنوده، لحرصها على تلقي المنح المالية الأجنبية بلا قيود ولا حدود ولا شفافية ولا محاسبة!
وهذا يعد في الواقع ضرباً من ضروب الفساد الذي ينبغي محاربته بلا هوادة، لأنه لا يصدر عن كوادر الدولة ولكنه يصدر عن كوادر من المهنيين والخبراء والمثقفين الذين يزعمون أنهم يشاركون بمؤسساتهم في جهود التنمية. وإذا كان هذا صحيحاً فلماذا لا يخضعون لاختبارات الشفافية التي يطالبون بها أجهزة الدولة؟
ولماذا لا يخضعون لقواعد المساءلة التي تطالب أن تخضع لها أجهزة الدولة وكوادرها؟


وأياً ما كان الأمر، فإن من ميزات خطاب الدكتور مرسي والذي لا نوافق على بعض أفكاره وخصوصاً تقديراته المبالغ فيها عن تحسن الأداء الاقتصادي، أنه فتح موضوع أهمية تأسيس الدولة العصرية.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة