خلال العامين الماضيين ومنذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 المصرية، أخذت الانقسامات بين الإسلاميين ومنافسيهم السياسيين تتسع مع مرور الوقت. على رغم ذلك، لم يتوقع الكثيرون بأن الأمر قد يصل إلى حد المواجهة كما حدث لدى إصدار الرئيس محمد مرسي إعلانه الدستوري، حين سقط قتلى وجرحى في معارك ضارية خارج قصر الاتحادية بين متظاهرين موالين لمرسي ومعارضين له، واتسعت المواجهة لأن تجوب البلد. في ظاهر الأمر، يحتج التيار غير الإسلامي على تبني الرئيس مرسي صلاحيات استبدادية موقتة، وعلى قراره تعجيل تمرير دستور مثير للجدل. لكن الأمر لا يتعلق - في واقع الحال - بمرسي وقراره المفاجئ فقط. مع أن أجزاء من القرار تستخدم لغة مأخوذة بوضوح من الكاتب البريطاني جورج أورويل ويبدو أنها تقريباً مصاغة لتثير الغضب والاستقطاب، إلا أن القرار (الذي تم التراجع عنه) ومسودة الدستور ليسا سيئين بالدرجة التي يصر عليها معارضو مرسي. على رغم أن تشبيهات المعارضة لمرسي بهتلر وموسوليني والثورة الفرنسية تبدي غضبهم العارم، فإنها ليست منطقية كونها قياسات تاريخية. علاوةً على ذلك، فعندما ألغى مرسي القرار في وقت لاحق، لم يهدِّئ ذلك من غضب المعارضة المتمثلة بجبهة الإنقاذ الوطني. فقد رفضوا المشاركة في الحوار الذي أسفر عن تنازل مرسي عن قراراته، وظلوا ينادون بتأجيل الاستفتاء. مع ذلك، رأى معارضو مرسي أن القرار جاء ضمن سلسلة طويلة من التجاوزات. فالثوار المصريون «الأصليون» هم مجموعة تهاجم بقوة تسويات الإخوان المسلمين، صغيرة كانت أم كبيرة، مع «الدولة العميقة». إنهم يأسفون على ما يرونه تضحية بثورتهم بدافع من النفعية والتدرج في الإصلاح، ويبدو صحيحاً أن القادة الذين عينهم الإخوان المسلمون في وزارة الداخلية والجيش وجهاز الاستخبارات هم أشخاص تورطوا في أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في عهد حسني مبارك، ولم تتم معاقبتهم حتى هذا اليوم. هؤلاء الثوار الشباب – والذين اتسمت انتقاداتهم بأنها متسقة على نحو مثير للإعجاب – لا يمثلون سوى أقلية. أما بقية المعارضة، فهم مجموعة من الليبراليين والاشتراكيين ومن يشعرون بالحنين للنظام السابق والمصريين العاديين الغاضبين، ولكل منهم أهدافه وشكاويه المختلفة الخاصة به. أما الليبراليون واليساريون فهم طرف في هذه المعادلة بقيادة رموز مثل محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى – الذين لا يجمعهم إلا القليل من العوامل المشتركة، فضلاً عن شعورهم بأن الإسلاميين يستولون على بلدهم، بل يخطفونها. وفي حين أنهم ربما يكونون «ليبراليين» بمعنى أنهم يعارضون تدخل الدولة في تصرفات المواطنين الشخصية، إلا أن التزامهم بالديموقراطية غالباً ما يكون بحسب أهوائهم، فقد رحب الكثيرون منهم بحل أول برلمان مصري منتخب انتخاباً ديموقراطياً، وطلبوا من الجيش التدخل «وحماية» الدولة المدنية، حتى أنهم صوتوا في الانتخابات الرئاسية لأحمد شفيق، خصم مرسي وآخر رئيس وزراء في حكم مبارك. ولم يتمثل السبب من نزول معظم معارضي الإعلان الدستوري لمرسي في طابع القرار الاستبدادي فحسب، لكن أيضاً لأن هذا الطابع يمكن أن يخدم أيديولوجية بعينها – الإسلام السياسي – والتي يرونها تهديداً وجودياً لمصر. ومع أن مرسي أثار الاستقطاب بشدة في حكمه، إلا أن الإخوان المسلمين يشيرون، وهذا صحيح حتى الآن، إلى أنهم في الواقع لم يفرضوا أي قوانين «إسلامية» على الشعب المصري. مع ذلك، يفوت الإخوان الجوهر الحقيقي لهذه الأزمة. فالليبراليون وكثيرون غيرهم لا يخشون مرسي والإخوان بسبب ما فعلوه، بل بسبب ما قد يفعلونه. فتلك المخاوف - استناداً إلى التوقعات الأسوأ في المستقبل - يصعب مواجهتها كما يستحيل دحضها. والمطلوب لتهدئتهم الثقة – وتكمن المعضلة في أنه ليس هناك ما يكفي من هذه الثقة في مصر في هذه الأيام. ومن خلال هذا السياق، فإن أفعال مرسي الأخيرة كانت بمثابة خطوة في الاتجاه الخاطئ، حيث لم يضف التجاهل المتعمد لمخاوف المعارضة إلا مزيداً من عدم الثقة والاتهامات المتبادلة. ضربة استباقية في غضون ذلك، يبدو عدم ثقة الإسلاميين في الجانب الآخر، سواء كانت مبررة أو غير مبررة، هو بالضبط ما دفع مرسي إلى إصدار قرار 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، وهذا ما كان يصر عليه الأشخاص المقربون إليه. فقد رأى الإخوان المسلمون تهديداً وجودياً يلوح في الأفق، يتمثل في الأحكام القضائية الوشيكة بحل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى. وأخبرني مسؤولون من الإخوان المسلمين وحزب «الحرية والعدالة» أن قضاة متعاطفين معهم كانوا أخبروهم بأن أحكاماً كانت مدبّرة ستلغي الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في 12 آب (أغسطس) – والذي رسخ السيطرة المدنية على الجيش – أو حتى ستلغي قانون انتخابات الرئاسة. كما ذهب أحد أعضاء الإخوان المسلمين البارزين، والذي وجه انتقادات كثيرة لأداء مرسي كرئيس للدولة، إلى حد أبعد فاقترح أنه إذا لم يتخذ الرئيس خطوات استباقية الآن، فإن إغلاق مكاتب الإخوان المسلمين سيكون الخطوة التالية في حملة جديدة من التصعيد، يليها حل الجماعة نفسها. في الوقت ذاته، أدرك الإخوان جيداً مدى السوء الذي بدا عليه قرار مرسي. وكما اعترف أحد كبار مسؤولي حزب «الحرية والعدالة»: «نعم، القرار ليس ديموقراطياً وليس هو ما قد تتوقعه بعد ثورة». لكنه زعم أنه ببساطة لم يكن هناك خيار آخر. كانت الرسالة واضحة: الإخوان يواجهون معركة وجودية، لذلك تم تعليق القواعد الطبيعية للسياسة. وقد شبه أحد الإخوان الذي تحدثت إليه الأمر بـ «العلاج بالصدمة الكهربائية الذي قد يترك المريض ميتاً». بإيجاز، يرى الإخوان معارضيهم - سواء الليبراليين أو السلطة القضائية أو عناصر الجيش والدولة العميقة - على أنهم معارضون للديموقراطية بصورة أساسية. ودليلاً على ذلك، يشير الإخوان إلى فشل شخصية مشهورة مثل محمد البرادعي - «الديكتاتور الليبرالي» على حد قول أحد مسؤولي الإخوان - في الوقوف ضد قيام السلطة القضائية بحل البرلمان، كما أنهم ينتقدون بشدة تحذيراته الأخيرة بأن الجيش ربما عليه التدخل لحفظ الأمن. المفارقة في نفور غير الإسلاميين من جماعة الإخوان هي أن الجماعة الحالية قد أصبحت معتدلة. فعلى رغم الأخطاء الكبيرة، فإن إخوان اليوم ليسوا هم إخوان ثمانينات القرن الماضي، الذين كان من بين مطالبهم الرئيسية تطبيق الشريعة. لم يكن هذا مجرد خطاب بلاغي: فعندما تصاعدت الصحوة الإسلامية، حازت المحاولة الرسمية لمطابقة القانون المصري مع الشريعة دعم أقوى المصريين سياسياً، مثل صوفي أبو طالب، رئيس البرلمان والصديق المقرب للرئيس أنور السادات. بحلول عام 1982، أصدرت لجان أبو طالب مئات الصفحات التي تضم مشاريع قوانين (لم يتم تنفيذها في الغالب)، وبما في ذلك 513 مادة حول إصلاح قانون التعويضات و443 حول القانون البحري و635 حول العقوبات الجنائية. لوبي الشريعة يتغير في ذلك الحين، كانت جماعة الإخوان المسلمين عبارة عن لوبي للشريعة أكثر من كونها حزباً سياسياً، فكان لديهم تركيز شبه حصري على الشريعة الإسلامية. في عام 1987 اتخذ البرنامج الانتخابي «للتحالف الإسلامي» – وهو عبارة عن ائتلاف الإخوان وحزبين صغيرين - موقفاً صريحاً بشأن هذا الأمر الرئيسي وهو: «إن تطبيق الشريعة واجب ديني وضرورة وطنية، فلا يجوز أن يكون ذلك مجالاً للموافقة أو المعارضة بل يتعين على كل مسلم الاستجابة إلى أمر الله تعالى بتحكيم شريعته». ويتابع البرنامج قوله إن «العمل الكبير» المطلوب لتطبيق الشريعة قد يكون بمثابة «مهمة متكاملة يحمل جانباً منها المشرع ويحمل جوانب أخرى [الخبراء في عدة مجالات]... وهؤلاء مطالبون بتقديم جهد علمي دقيق في بصر حاد بظروف العصر وحاجات أهله». قام الإخوان بخطوات لجعل برنامجهم السياسي أكثر اعتدالاً خلال العقدين التاليين، وقد بلغ ذلك أوجه في البرنامج الانتخابي لعام 2005، وهو العنصر الرئيسي في محاولة الجماعة الرامية إلى تغيير صورتها وتقديم رؤية للإصلاح السياسي والمؤسسي. كانت الديموقراطية، بدلاً من الشريعة، هي ما أخذت الجماعة تنادي به. كما ركز برنامج الجماعة على كيفية إنشاء نظام عملي للمراقبة والتوازن بين السلطات وضمان استقلال الحكومات المحلية عن السلطة التنفيذية المركزية. والأمر المثير هو أن أحد أطول أجزاء البرنامج يدور حول «اللامركزية المالية والإدارية»، إذ ينادي الإخوان «بنقل صلاحيات الوزارات وسلطاتها إلى المحافظات»، بما في ذلك القدرة على فرض الضرائب وجمعها. وإذا كان هناك بالفعل موضوع مهيمن خلال برنامج عام 2005، فالفكرة مفادها أن الفرع التنفيذي يتمتع بسلطات كثيرة قد يسيء استعمالها وقتما يشاء. (وهذا يؤدي إلى الالتباس عند القراءة في ضوء دستور اليوم غير المتوازن والذي يكرس رئاسة قوية للغاية). بعد الثورة، غيّر الإخوان وجناحهم السياسي، حزب «الحرية والعدالة»، رأيهم تغييراً كبيراً - فالآن هم يؤمنون بشكل واضح برئاسة قوية، على حساب البرلمان والحكومات المحلية. ولا يزالون يعتقدون أنهم ديموقراطيون حقيقيون، وأن خطابهم - ربما اليوم أكثر من ذي قبل - مملوء بالإشارة إلى الشرعية الانتخابية وإرادة الأغلبية الشعبية. بالنسبة إلى الدستور، هم يصرون على أنه وثيقة معتدلة تم الاتفاق عليها بالإجماع. ومن منظور الإخوان، فإن المحتوى الإسلامي في الدستور ضئيل: ففي تناقض صارخ للثمانينات، عارض الإخوان بالفعل مطالب السلفيين بإعطاء الشريعة الإسلامية دوراً مركزياً بصورة أكبر في الحياة السياسية المصرية. رواية الليبراليين
يسرد الليبراليون قصة مختلفة تماماً تقريباً، وتقوم اعتراضاتهم على العملية بقدر ما يعترضون على مضمون مشروع الدستور نفسه. وقد عقدنا مؤخراً في مركز بروكنغز الدوحة «حوار التحولات» الثالث حيث حضر ممثلو التيارات الإسلامية وغير الإسلامية مع مسؤولين أميركيين للتوصل إلى نقاط الاتفاق. فكان المشاركون بعيدين كل البعد أو متقاربين بشكل مدهش. وكان من الصعب الجزم بحقيقة الأمر، لأنه كان يبدو أن لديهم تفسيرات مختلفة للحقيقة، وغالباً لا يتفقون حتى على ما يختلفون عليه. كان بعض الخلافات حول مسار العملية السياسية - بما في ذلك قرار تعيين 50 من الإسلاميين و50 من غير الإسلاميين في الجمعية التأسيسية، وهو ما أطلق عليه ناشط حقوق الإنسان «عيب خلقي» في العملية. من البداية، استاء الليبراليون من جمعية «يهيمن عليها» الإسلاميون، حيث أخذ فيها كل معسكر سياسي موقفه المتصلب وصوت ككتلة، وقد حالفهم الصواب في الاستياء من هذه القضايا، التي تمثل مشاكل حقيقية. بينما اعتبر ممثلو الإخوان والسلفيون أن الموافقة على التقسيم بنسبة 50/50 تمثل في الواقع تنازلاً رئيسياً من جانبهم. فقد أشار الإسلاميون إلى أنهم ربما كانوا سيحصلون على ما يزيد على 70 في المئة من المقاعد إذا تم انتخاب الجمعية بشكل مباشر، بدلاً من تعيينها. وبالنسبة إلى نص مشروع الدستور، كانوا ينادون بأن تكون «مبادئ» الشريعة بدلاً من «أحكامها» المصدر الرئيسي للتشريع، على عكس ما كان يرغب السلفيون به. بالإضافة إلى ذلك، توجد في الدستور مواد قليلة ذات صبغة إسلامية، ولكن في الأغلب فإنها وثيقة غير مميزة - وأحياناً مملة - تستند إلى دستور 1971 غير المميز أيضاً. وهذا أيضاً يعتبره الإسلاميون تنازلاً منهم للمعارضين، حيث أكدوا أنه كان بإمكانهم إدراج نصوص إسلامية أقوى، لكنهم بدلاً من ذلك توصلوا إلى حل وسط مع الليبراليين، الأمر الذي أغضب الكثير من السلفيين خلال عملية صياغة الدستور. وبالفعل يبدو أحياناً أن ممثلي الإخوان والسلفيين ينظرون إلى وجود «الليبراليين» في الجمعية على أنه بفضل عطف الإسلاميين ورحابة صدرهم. فازدراء الإخوان للعلمانيين ليس أمراً جديداً وهو - على الأقل بشكل جزئي –نتاج عهد مبارك، عندما تحمل كثير من الليبراليين نظام مبارك باعتباره أخف الضررين. لكن الأمر أعمق من ذلك، فالإسلاميون عموماً لا ينظرون إلى الليبراليين على أنهم يمثلون شريحة جديرة بالذكر من المجتمع المصري. علاوةً على ذلك، ينظر الإسلاميون إلي الليبراليين على أنهم يمثلون أيديولوجية غريبة ودخيلة على المجتمع المصري، بل هدامة أخلاقياً. ويتمثل السبب الوحيد وراء دعم المصريين «لليبراليين» في أنهم لا يريدون التصويت للإخوان، وليس لأنهم ليبراليون أو حتى يعرفون ماذا تعني «الليبرالية.» وخلال مقابلاتي مع قادة الإخوان قبل الثورة وبعدها، كنت أشعر أن الإخوان ببساطة لم يأخذوا الليبراليين على محمل الجد على رغم محاولتهم من حين لآخر، فقد اهتموا دائماً بمنافسيهم من اليمين الديني، وهم السلفيون. مساحة للاتفاق
وبغض النظر عن عدم احترام الإسلاميين للليبراليين، عندما تنظر إلى ما يؤمن به كل جانب، يبدو أن هناك مساحة للاتفاق، فتقول الأحزاب «الليبرالية» الكبرى أنها تدعم دور الشريعة في الحياة العامة، بينما يظهر من تصريحات الإخوان المسلمين دعمهم للتعددية و «الدولة المدنية». حتى حزب النور، الذراع السياسي لأكبر جماعة سلفية، قال إنه يجب إقامة الدولة «بعيداً عن النموذج الثيوقراطي». لكن هذه الجماعات تتظاهر أنها أكثر اعتدالاً مما هي عليه في الواقع. يحاول الليبراليون أن يكونوا أكثر استجابة لـ «المزاج» الشعبي السائد، والذي يعتبر ديني ومحافظ. وفي الوقت نفسه، يتوق الإخوان والسلفيون إلى تصوير أنفسهم كعناصر «مسؤولة»، خصوصاً في أعين الحكومات الغربية، والتي يعتبر دعمها ضرورياً لإنعاش الاقتصاد المصري. لكن هذه الإشارات التي تبدو استرضائية في ظاهر الأمر أدت إلى اعتقاد كل جماعة أن الآخرين يتصرفون بتصنع. وأصبح مفهوماً أن الليبراليين - لأنهم الطرف الأضعف - يخشون استخدام الإخوان سلطاتهم المتزايدة لتقويض الليبراليين وإقصائهم. لكن الإخوان يخافون أيضاً من أن معارضيهم قد خرجوا لتدميرهم، باستخدام أية أدوات تحت تصرفهم لقلب الانتصارات التي حققتها الجماعة في الانتخابات. كما لاحظ خالد الجندي الباحث في مؤسسة بروكنغز، «عقدة الاضطهاد هي أساس التسلط». ربما يكون كلام الجندي صحيحاً، لكن ذلك لا يعني أن عقدة الاضطهاد لدى الإخوان ليست واقعية. فذكرى عام 1954 تثير الخوف، حين حظر الرئيس جمال عبد الناصر جماعة الإخوان وحبس أعضاءها وأعدم البعض من قادتها. وتأتي المأساة الجزائرية بعد ذلك عام 1991 - عندما ألغى الجيش العلماني المتشدد انتخابات حقق فيها الإسلاميون فوزاً مؤكداً مما دفع الدولة إلى حرب أهلية - لحظة فارقة في رواية الإسلام السياسي. بالنسبة إلى لإخوان المسلمين، مأساة جزائرية أخرى دائماً على وشك الحدوث. فالفوز بانتخابات بعد الأخرى لا يُعد ضماناً للبقاء السياسي، كما لم يكن ضماناً في 1991. بالنسبة إلى الإخوان، حل البرلمان في حزيران (يونيو) الماضي قدم مزيداً من الأدلة على أن المعارضة الليبرالية والمجتمع الدولي لن يؤيدا الديموقراطية عندما يكون الذين يعانون هم الإسلاميون. هذه الخيانات - وكل جانب لديه قائمة طويلة منها - محفورة الآن في الذاكرة، مما يجعل الحوار العاقل بمثابة مهمة صعبة. ومن دون شك، ازدادت حالة عدم الثقة بسبب التحول الديموقراطي الذي اتسم بسوء إدارة شديدة، لكنه أيضاً نابع من شيء واقعي وعميق، وإن لم يتم الإفصاح عنه غالباً. ويكمن شيء أساسي وراء الاتهامات والاعتراضات الإجرائية التي تبدو ضئيلة: المصريون ببساطة لا يوافقون على الخصائص الأساسية للدولة القومية الحديثة. هل ينبغي أن تكون الدولة محايدة من الناحية الإيديولوجية، أم هل ينبغي أن تفرض الأخلاقيات على الشعب بهدف إنشاء أفراد فاضلين وعائلات فاضلة؟ لم يتناول المصريون، بل معظم العالم العربي، هذا الأمر بنقاش جدي. في المدى القريب، يمكن أن يكون هناك بعض الاتفاق. فالإخوان ليسوا مقيدين بالمعارضة الفعالة بشكل متزايد فحسب، بل إنهم مقيدون أيضاً بعناصر خارجية. والاقتصاد يدخل في منعطف خطير ولن يأتي الاستقرار إلا من خلال الدعم الاقتصادي من الولايات المتحدة وأوروبا. فليس أمام مرسي والإخوان فرصة للتجاوز - حالياً. وتركيزهم منصب على الاستقرار والأمن والاقتصاد، وليس تطبيق الشريعة الإسلامية أو إنشاء الدولة الإسلامية الخيالية. بالإضافة إلى ما سبق، ليس «الإسلاميون» إسلاميين من دون سبب. حيث أنهم يملكون مشروعاً أيديولوجياً خاصاً بهم، حتى إن كان يصعب عليهم شرحه بالكامل. كان الإخوان يعدون بالفعل ما يسمى بـ «مشروع النهضة،» التي تكون بمثابة حلم لتكنوقراطيين إسلاميين، وعلى رغم أن بعض أفكار المشروع حول الإصلاح المؤسسي والتنمية الاقتصادية والإصلاح المدني مثيرة للإعجاب، إلا أنها ليست نقطة النهاية لما يريد الإسلاميين إنجازه. الإسلاميون لديهم قاعدة تمثل أساس قوتهم الانتخابية وتريد بالطبع تطبيق الشريعة. والديموقراطية لا تجعل هذه الطموحات أكثر اعتدالاً بالضرورة: وفقاً لمعظم استطلاعات الرأي، يرغب عامة المصريين في أن يروا مزيداً من الإسلام والشريعة الإسلامية في السياسة، وليس أقل منهما. وكذلك هناك السلفيون، ثاني أكبر كتلة انتخابية في البلد، الذين من المحتمل أن يفعلوا كل ما بوسعهم ليجروا الإخوان - وكل شخص آخر، إن أمكن ذلك - إلى اليمين. في الحقيقة، قد يكون من السهل التوصل إلى إجماع في هذه المرحلة المبكرة من التحول الديموقراطي المصري من أي وقت لاحق. وربما يكره «الإسلاميون» و «غير الإسلاميين» بعضهم البعض، لكن الفجوة - في القضايا التي تواجههم الآن - ربما ليست كبيرة كما تبدو. ومع ذلك، في المدى الطويل قد يكون الاتفاق الذي يبحث عنه كثيرون ويأملون فيه أمر لا وجود له. * مدير البحوث في مركز «بروكنغز الدوحة»، وباحث في مركز سابان في معهد بروكنغز - واشنطن
|