تثير إشكالية الدين والدولة في زمن الانتفاضات العربية نقاشاً حاداً بسبب الصراع بين القوى السياسية التي تحالفت لإسقاط بعض الأنظمة العربية ثم تباعدت إلى درجة احتلال الساحات العامة المتقابلة التي تضم مئات الألوف من المناصرين من الجانبين، وهم يرفعون شعارات متعارضة تماماً.
تشهد الحياة الثقافية العربية اليوم صراعا حادا بين تيارين ثقافيين كبيرين إنطلاقا من رؤية متناقضة حول طبيعة الدولة التي ستتمخض عنها الانتفاضات الشبابية، وتبيان مدى شرعيتها وقدرتها على التغيير، فانخرط عدد كبير من المثقفين العرب لتوضيح علاقة الدين بالدولة على المستوى العربي العام. وقد آن الأوان للخروج من دائرة مقولات استشراقية تصف المجتمعات العربية وفق منظار طائفي ومذهبي وقبلي.
على رغم الضجيج الكبير حول النزاعات الطائفية والقبلية الجارية في الدول المنتفضة، اثبتت تلك النزاعات عدم قدرتها على وقف الإرهاصات الثورية التي تتفاعل داخل الوطن العربي. ووقف مثقفو الطوائف مشدوهين أمام تطور الانتفاضات التي أسقطت أربعة أنظمة عربية خلال عام واحد.
هناك سجال ثقافي حاد حول إشكالية الدولة والدين في العالم العربي، بعيدا من الرؤية الثقافوية السائدة حول صراع السنّة والشيعة، والإسلام والمسيحيين، والعرب والأكراد والأمازيغ، وغيرها من مقولات توصيف الانتفاضات ونشر اليأس من قدرتها على الاستمرار والتغيير.
طُرحت إشكالية الدين والدولة في الدول المنتفضة من موقع إسلاموي يريد أنصاره تطبيق الشريعة الإسلامية، مقابل قوى ديموقراطية وعلمانية وليبيرالية ويسارية متنوعة ترفض أوهام الدولة الدينية وتتمسك بدستور عصري لدولة مدنية أو علمانية تتبنى الديموقراطية، والحريات العامة والفردية، ودولة المؤسسات وفصل السلطات، وإستقلال القضاء.
فالانتفاضات الشبابية غير مسبوقة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر. وقد أحدثت هزة سياسية كبيرة من حيث النوعية والفاعلية والانتشار. ولا يجوز أن تُقرأ بمنهجية وفق مقولات استشراقية لم تنتج معرفة حقيقية حول ما يجري داخل الوطن العربي.
ليس من شك في أن الموروث الإسلامي عميق الجذور في التاريخ العربي، وقد تميز بنوع من التداخل بين مفهومي السلطة والدولة. فصاحب السلطة هو الملك أو الفرعون أو الإله في مصر، وبلاد ما بين النهرين، وبلاد الشام. الدولة في زمن الخلافة الإسلامية هي دولة الرسول ومَن خلفه في حماية الدين وسياسة الدنيا. ثم دخلت مفاهيم غير إسلامية على الخلافة متأثرة بالتيارات الشعوبية والجماعات الإسلامية غير العربية، فتحولت دولة سلطانية أو شاهنشاهية، وتم التنظير لها من خلال الأحكام السلطانية أو ولاية الفقيه.
على الجانب العربي، بقيت السلطة في الولايات العربية التي خضعت للمماليك ثم للعثمانيين تنبني على العصبية القبلية وفق الأطوار التي تميزت بها بحسب المفهوم الخلدوني. فهي دولة الأسرة الواحدة، أو المشيخة الوراثية، أو السلالة الواحدة. ولا تزال تعتمد على الوراثة، ومجلس الشورى داخل العائلة في معظم أقطار الخليج العربي. في حين بنيت دولة المخزن في المغرب العربي على سلالات دينية تخرج عن طاعتها أحيانا "دولة السيبة"، أي دولة المناطق السائبة والخارجة عن سيطرة الدولة المركزية. كانت أبرزها دولة الموحدين التي تبنّت الخلافة المستندة إلى عصبية دينية متوارثة بحيث تتداخل الخلافة بالدين الإسلامي وفق منظومة قيم ثقافية واقتصادية وسياسية إسلامية. وتبلورت حديثا دولة الشوراقراطية التي تعتمد العصبية الدينية المنفتحة، وتحاول المواءمة بين مفهومي الشورى الاسلامي والديموقراطية الغربية، بالإضافة إلى الدولة الطائفية على النمط اللبناني وأخيرا العراقي، التي تعزز ركائز الطائفية والمذهبية في الممارسة السياسية والإدارية والاجتماعية.
توصيفات الدولة العربية في القرن العشرين
الدول العربية هي دول ريعية حافظت على كثير من تقاليد القمع الموروثة من مرحلتَي الحكم العثماني والسيطرة الأوروبية. واحتكرت القيادات السياسية فيها السيطرة على مؤسسات الدولة ورعاياها، وحافظت على استمرار الدولة الريعية كنظام سياسي يخدم مصالحها في الدرجة الأولى. ووظفت الطائفية والقبلية في الثقافة السائدة كإيديولوجيا مجرّبة لتشويه الوعي الوطني والاجتماعي لدى الجماهير العربية.
استمرت الدولة القبلية فاعلة بقوة في مجتمعات عربية انتقلت من البداوة إلى الدولة الحديثة. لكن الوعي الديني أو القبلي المؤدلج لم ينتج سوى نظام سياسي مفكك، ودولة قمعية تتخفى وراء حجاب قبلي أو ديني لم يعد قادرا على إخفاء الوجه البشع للطبقة السياسية المسيطرة. وتحولت القبلية السياسية إلى ديموقراطية قبلية، أو دولة ديكتاتورية بقيادة الحاكم العسكري أو القائد الواحد. وارتكزت دولة البدو، أو دولة البدوقراطية، على الذهنية القبلية حيث لا يستقيم دين إلا بجماعة قبلية، ولا تحكم جماعة إلا بالعصبية الدينية وفق المفهوم الخلدوني. فأقامت تحالفات المصلحة القبلية على العصبية القبلية، وزواج المصلحة، بالإضافة إلى استخدام العصبية الدينية لشد أزر الجماعة القبلية. فلم تعد العصبية القبلية مجرد ارتباط قائم على وحدة الدم بل باتت لها وجوه عدة، دينية، وقبلية، وسياسية، واقتصادية، وغيرها. وتعود صلابة الذهنية القبلية المتجددة إلى قوة الموروث القبلي التاريخي، إلى جانب منظومة القيم الأخلاقية المتقاربة بين أفراد القبلية والتنظيم السياسي القبلي المبني على زعامة سياسية متوارثة في القبيلة والعشيرة.
ولا تزال الذهنية القبلية تعوق التفاعل الإيجابي مع الثقافات العصرية وبشكل خاص الثقافة الديموقراطية على اختلاف تجلياتها. ففشلت دولة الديموقراطية الشعبوية على الطريقة الليبية، ودولة الديموقراطية التوافقية على الطريقة اللبنانية، ودولة الشوراقراطية في أنظمة عربية حاولت الجمع بين ذهنية البداوة ونظم الإسلام السياسي.
مشكلات بناء الدولة الديموقراطية في زمن الانتفاضات الشبابية
يحتكر الغرب صفة الديموقراطية السليمة لنفسه. لذلك يؤكد منظّروه أن الانتفاضات العربية فشلت في تبنّي الديموقراطية على الطريقة الغربية، وسخرت الإنتخابات الشعبية لإبقاء ركائز السلطة القديمة، وتبنّت ثقافة التبرير على حساب ثقافة التغيير الجذري والشامل، فاستمرت الدولة الريعية في العالم العربي تولد نزاعات طائفية ومذهبية وقبلية، وتقسم مغانم السلطة بين زعماء الطوائف والقبائل. لم تنبن علاقة المواطن العربي الحر بالدولة العصرية على أسس حقوقية، وهي تتطلب إقامة حكم القانون وبناء دولة المؤسسات. تعاملت الدولة العربية الحديثة ذات الخلفية القبلية أو الطائفية مع السكان كرعايا يتبعون زعماء الطوائف والقبائل وليس كمواطنين أحرار ينتمون إلى دولة ديموقراطية تعتمد المواطنة، والكفاءة الشخصية، والشفافية، والمساءلة، والمساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات دون النظر إلى العرق، أو اللون، أو الانتماء السياسي، أو الديني، أو القبلي.
لا تزال الدولة التسلطية في الدول العربية تعيد إنتاج تلك الركائز، وتسمح للطبقة السياسية الحاكمة باستغلال السياسة والدين من دون أن تخضع للمساءلة والمحاسبة والعقاب. وتصنّف القيادات السياسية الحاكمة في دولها بأنها قوى سلطوية تعتبر نفسها فوق الدولة لأنها عاجزة عن محاكمتها، أو الحد من نفوذها، أو معاقبتها. تحولت التعددية الدينية وتنوع الجماعات العرقية والقبلية إلى معوقات بنيوية تحول دون توحيد المجتمع وتجانسه إلا في إطار دولة القانون والمؤسسات التي تشكل أداة فاعلة للتوحيد السياسي والوطني الشامل.
في ظل هيمنة الإيديولوجيا العصبوية المستندة إلى العرق أو الدين أو القبيلة، سيطرت ثقافة العصبيات السائدة على امتداد الوطن العربي. وهي تخدم، في الدرجة الأولى، طبقة سياسية فاسدة تقودها بورجوازية ريعية بشرائحها المتعددة، وتكرس الدولة القمعية نظاما استبداديا يتلاءم مع سيطرة الرأسمالية الريعية على العالم العربي. تشكل هيمنة الوعي الطائفي والقبلي على الوعي الوطني ركيزة صلبة لإستمرار النظام السياسي الاستبدادي، وتأبيد الوراثة السياسية في العالم العربي. بعد نجاح انتفاضات الربيع العربي باتت الحياة الثقافية العربية تتوقع بروز مقولات علمية لبناء دولة ديموقراطية طالما حلم بها شباب الانتفاضات. ورفع المتنورون منهم شعارات عقلانية تدعو إلى بناء دولة ديموقراطية سليمة تقوم على العدالة الاجتماعية، والرفاه الاقتصادي، واعتماد الكفاءة الشخصية في مجال تولي الوظائف وإدارة شؤون الدولة بحس عال من المسؤولية. ورفضوا بصورة قاطعة كل أشكال الحكم الديني الذي يبقي المواطنين العرب في موقع رعايا الطوائف والمذاهب وفق ما تخطط له تيارات إسلامية، أصولية وسلفية.
بدأت انتفاضات الربيع العربي بتحالفات سياسية مرحلية على أسس غير واضحة، فطغى النضال اليومي زمن الانتفاضات على صلابة المواقف الاستراتيجية الداعية إلى التغيير الشمولي. وحين تمسكت القوى الشبابية بالعمل على بناء دولة ديموقراطية مدنية، ردّت القوى الإسلامية بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، ونشرت شعارات شعبوية مقرونة بوعود كبيرة من دون أن تقوم بأي تغيير إيجابي لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. ووعدت جماهيرها بقيام دولة حديثة تطبق مبادئ الشريعة الإسلامية على مختلف الصعد. وتمسكت بالثقافة السائدة التي ساعدتها على الوصول إلى السلطة لتستخدمها في تأبيد سيطرتها السياسية عبر إصلاحات شكلية لا تمس بنية النظام السياسي القائم. ولم تفصح عن برنامج عملي يتضمن مقولات علمية موثّقة حول كيفية حل المشكلات القائمة بأدوات معرفية علمية وليس برغبات ذاتية. وتجاهلت شعارات القوى الشبابية والشعبية التي أطلقتها إبان انتفاضات الربيع العربي، ولا تزال تناضل بصلابة من أجل تنفيذها وصولاً إلى التغيير الشامل. ولا يزال شباب الانتفاضة يطالبون بقيام دولة المواطنة التي تساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات من دون أي تمييز ديني، أو عرقي، أو قبلي.
تحاول القوى الإسلامية التي شاركت في الانتفاضات الشعبية إحلال نظام سياسي إسلامي مكان النظام التسلطي السابق. أدركت النخب الثقافية العربية على الفور أن عهد التسلط السياسي لم ينته بعد، فانتفضت القوى الشبابية والشعبية مجددا ضد القهر، والاضطهاد، والقمع، وطالبت بوضع حد لسياسة تغييب المعارضة والرأي الآخر. فالنظام السياسي الإسلامي المقترح لا يزال صعب المنال منذ قرون طويلة. وهو مفهوم ضبابي لم يستطع الداعون إليه تحديد طبيعة المؤسسات السياسية المرتبطة به وقدرتها على مواجهة عصر العولمة والتبدلات السياسية المتسارعة. ودلت ردود الفعل الشاجبة لقرارات الرئيس المصري أنها تهدد الوحدة الوطنية، وتستدرج تدخلات خارجية بالغة الخطورة تؤثر سلبا في القرار المصري المستقل. وبلغ التفكك الداخلي في المجتمعات العربية المنتفضة درجة متقدمة من الخطورة تحت وطأة العصبيات الطائفية والمذهبية والقبلية وغيرها. وقد تناولتها قوى المعارضة بالنقد البناء من موقع البديل الديموقراطي، والتغيير الشمولي. وحذرت من اعتماد سياسة التجريب السياسي واختبار شعارات شعبوية حول حكم سياسي يطبق الشريعة الإسلامية في مجتمعات عربية متعددة الانتماءات الطائفية والسياسية.
إن إصرار القوى الإسلامية التي تسلمت مقاليد السلطة السياسية في مصر وتونس على تطبيق الشريعة الإسلامية يفضي إلى نزاعات كبيرة بين السلطة والمعارضة قد تؤدي إلى عصيان مدني أو حرب أهلية. فالتظاهرات وحركات الاحتجاج، الشبابية منها والشعبية، تملأ ساحات المدن وميادينها. وهي تحذر من أخطار تغييب الحلول العقلانية للمشكلات القائمة، والاستعاضة عنها بشعارات شعبوية لا علاقة لها بالنظم الاسلامية.
تجدر الملاحظة إلى أن نسبة عالية من الجماهير العربية في الدول المنتفضة قد سلّمت مصيرها موقتا إلى أحزاب وقيادات انتهازية توظف الدين الإسلامي في خدمة مصالح شخصية وحزبية. وهي قيادات تفتقر إلى الكاريزما الشخصية والرؤى الثقافية الواضحة، فتروّج لشعارات شعبوية قادت في الممارسة العملية إلى صدامات واسعة في بعض الدول المنتفضة. في حين بقيت المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الموروثة تزداد حدة وتدمّر الكثير من الطاقات البشرية والمادية في المجتمعات المنتفضة التي تواجه قوى المعارضة فيها ممارسات قمعية لا تقل شراسة عما كانت عليه في السابق.
عادت القوى الشبابية في الدول المنتفضة تبحث عن دور لها بعيداً من هيمنة الإيديولوجيا الدينية وشعاراتها الدوغمائية. وتفاعل المثقفون المناصرون لنجاح الإنتفاضات مع مواقف الجماهير الشعبية التي عادت إلى ساحات المواجهة بإصرار أشد على التغيير الشامل. فتعززت فرص التغيير الذي يتلاءم مع طبيعة التبدلات العاصفة التي يشهدها العالم العربي بكل تناقضاته. وبدا واضحا أن في الإمكان بناء مستقبل أفضل للشباب العربي في زمن حرية الكلمة والفكر المقاوم، ومشاركة الشباب في معالجة المشكلات التي تعانيها المجتمعات العربية واقتراح حلول عقلانية لها.
غيّرت الانتفاضات الشبابية وجه العالم العربي الذي استكان طويلا لتعسف أنظمة تسلطية وإستبدادية مدعومة من الخارج. وهي ترفض اليوم السكوت مجددا على تعسف السلطة السياسية، دينية أكانت أم مدنية أو عسكرية. ودعا قادتها للتمسك بالدولة الديموقراطية دون سواها، ورأوا أن من واجبهم تقديم نموذج عربي متميز في بناء حداثة سليمة لا تقود إلى التبعية للخارج، وأدركوا أن الحداثة السليمة تنبني على الإنسان الحر الواعي والمزوّد العلوم العصرية، وعلى نشر التكنولوجيا المتطورة وتوطينها لزيادة الإنتاج الاقتصادي. وتلعب مقولات الثقافة العقلانية والتغيير الجذري والشامل دورا مهما في تعرية الثقافة السلطوية السائدة، وأوهام النظام السياسي الذي يقوم على استغلال الدين لأغراض سياسية.
في الوقت عينه تكشّفت أهداف الإيديولوجيا الدينية التي تشكل العمود الفقري للنظام السياسي السائد اليوم في كل من مصر وتونس، وبدا واضحا أن الدعوة إلى قيام نظام سياسي على خلفية دينية وفق توجهات أحزاب الإسلام السياسي تساهم في تزييف الوعي السياسي لدى الجماهير الشعبية المنتفضة. في حين أن بناء الدولة المدنية بعد قيام انتفاضات الربيع العربي يشكل جامعا مشتركا بين الانتفاضات الشعبية العربية. وتدرك بحسها الوطني السليم أن تغييب الديموقراطية في الدول المنتفضة يقود حتما إلى قمع المعارضين من جميع الاتجاهات الليبيرالية والعلمانية والقومية.
ملاحظات ختامية
مع استمرار الذهنية الدينية، لا بل المذهبية الفاعلة بقوة في المجتمعات العربية المنتفضة، تنتفي كل أشكال الديموقراطية السليمة، فيهيمن زعماء الأحزاب الطائفية على المجتمع بإسم الدين، وزعماء القبائل بإسم العصبية القبلية. وتدخل الدول العربية المنتفضة في صراع جماعي بين قوى سياسية توظف الاسلام في السياسة وتصر على قيام دولة دينية، وقوى معارضة لها توافقت على بناء دولة ديموقراطية مدنية.
لا تزال العصبيات الدينية والقبلية حاضرة بقوة في المجتمعات العربية، ولا تزال الدولة الديموقراطية مفهوما ضبابيا في عالم عربي محكوم بالذهنية الدينية والقبلية. ومع إصرار القوى السياسية الحاكمة في دول عربية منتفضة على تطبيق الشريعة الإسلامية تراجعت مفاهيم الحرية، والوطن والمواطنة، والسيادة، وحقوق الانسان العربي الفرد. وباتت مؤسسات الدولة العصرية مهددة بالزوال، وعاجزة عن ممارسة الديموقراطة دون مشاركة الديموقراطيين في معركة شرسة لحماية أنفسهم ووطنهم. فإنتشار الوعي الديموقراطي لم يخفف من الوعي الديني بل زاده صلابة في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدول العربية المنتفضة. وهي قوى إسلاموية سلطوية لا تستطيع إقامة التعارض مع السلطة الدينية، وتحديدا مع سلطة المرشد الديني أو سلطة ولاية الفقيه. فالمؤسسة السياسية في الدول العربية المنتفضة اليوم هي امتداد للسلطة الدينية التي تتمتع بصلاحيات واسعة للرقابة على الناس والكتب والفنون والمطبوعات والمسرح والأغاني والنوادي الفكرية. فهناك اليوم تصادم حاد وجذري بين قوى إسلاموية استغلت الانتفاضات الشبابية لتحاول بناء دولة إسلامية تتعارض جذريا مع أهداف تلك الانتفاضات، وبين قوى ديموقراطية عريضة تواجه بصلابة المد الإسلاموي الذي يستخدم العنف السلطوي بإسم الاسلام السياسي. وهي معركة مصيرية تطال حاضر العرب ومستقبلهم.
|