الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ١٧, ٢٠١٢
المصدر: nowlebanon.com
مسألة للتفكير - حازم صاغية
في مقارنة سريعة بين إجماليّ المواقف المسيحيّة اللبنانيّة في العقود الماضية وإجماليّ مواقفهم اليوم، يتبدّى تحوّل ملحوظ بل نوعيّ. فهم، قبل ستين وخمسين وأربعين عاماً، كانوا من مرتكزات التصدّي للأنظمة العسكريّة في الجوار العربيّ. لقد تمسّكوا بالديموقراطيّة الليبراليّة في مواجهة سلطة الانقلاب العسكريّ، وبالعلاقة مع البلدان الغربيّة في مواجهة الصلة بالاتّحاد السوفياتيّ وكتلته، وبالاقتصاد الحرّ في مواجهة التأميمات، وبحرّيّة الإعلام في مواجهة إعلام رسميّ موجّه.
 
وكان المسيحيّون العرب الذين يهربون إلى لبنان من مصر الناصريّة ومن العراق وسوريّا البعثيّين يشحذون هذه الميول لدى مسيحيّي لبنان ويعزّزونها.
 
هكذا شكّلت منازعة 1958، بين ما شكّلته، صداماً بين وجهة نظر مسيحيّة تأبى السير في ركاب الحاكم العسكريّ والديكتاتوريّ لمصر، أي جمال عبد الناصر، وبين وجهة نظر تسعى إلى ممالأته ومراضاته. وعلى امتداد العهدين الشهابيّين (1958-1970) لم تطرأ تغيّرات ملحوظة على العنوان الكبير هذا.
 
بطبيعة الحال، تلوّن الموقف المسيحيّ تلوّناً شديداً بمقدّماته الطائفيّة، تماماً كما تلوّن الموقف الإسلاميّ بمقدّماته المماثلة. وذلك، كما نعلم جيّداً، ممّا يكاد يرقى إلى طبيعة لبنانيّة ثانية. وللسبب هذا، ضمر البُعد السياسيّ والإيديولوجيّ للمواقف المتصارعة لصالح مكوّناتها الطائفيّة وحساسيّاتها الأهليّة.
 
لكنْ كائنةً ما كانت الأسباب، بقي من شبه المستحيل افتراض وقوف الكتلة المسيحيّة الأعرض في لبنان إلى جانب حاكم عسكريّ في الجوار العربيّ. ويجوز الافتراض أنّ البُعدين الإيديولوجيّ والطائفيّ كانا يتقاطعان عند محطّة ما: ذاك أنّ الحاكم العسكريّ المستبدّ ميّال إلى التوسّع على نحو يخيف مسيحيّي لبنان ويهدّد حرصهم على خصوصيّة تجربتهم. وبالفعل فالأمثلة كثيرة، سابقاً ولاحقاً، على ميل هذا النمط من الحكّام إلى التمدّد خارج حدودهم: من جمال عبد الناصر في اليمن إلى صدّام حسين في الكويت مروراً بحافظ الأسد في لبنان.
 
اليوم، ومع إبداء أغلب المسيحيّين اللبنانيّين تعاطفهم مع نظام بشّار الأسد في سوريّا، يلوح كأنّ انقلاباً ضخماً قد غيّر العواطف والميول. فهم يمالئون نظاماً أمنيّاً وديكتاتوريّاً من صنف الأنظمة التي اعتادوا معارضتها وتحدّيها. ليس هذا فحسب، إذ أنّ النظام المذكور سبق أن تمدّد في بلادهم وأذلّهم وهمّشهم، مكمّلاً النهج الذي بدأه والد الرئيس الحاليّ حافظ الأسد.
 
لماذا حصل هذا الانقلاب؟ هذا موضوع شيّق للتفكير يُسأل عنه المسيحيّون اللبنانيّون جزئيّاً، والنظام السوريّ جزئيّاً، إلاّ أنّ أطرافاً أخرى كثيرة تُسأل عنه أيضاً. وإذا كان بعض أسباب الانقلاب يتّصل بالسياسة فإنّ بعضها الآخر يتّصل بالثقافة والتكوين المجتمعيّ.
 
في الحالات جميعاً، ولو اقتصر الأمر على تمرين ذهنيّ بحت، لا نبالغ إذا قلنا إنّ الإجابة عن سؤال كهذا تضع يدها على أحد مفاتيح التقدّم والتأخّر في هذا المشرق العربيّ الكبير.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة