تستحق مصر الثورة السلمية طريقاً دستورياً أفضل يحيي روحها الأصيلة. نضم صوتنا الى الباحثين عنه في ظل الاعلان الدستوري الأخير بنقض نواقصه وطرح البديل منه في التراث الدستوري المقارن.
نقض إعلان 9 كانون الأول الدستوري:
المادة الأولى: يـُلغى الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 21 تشرين الثاني 2012 اعتباراً من اليوم، ويبقى صحيحاً ما ترتب على ذلك الإعلان من آثار. لا محل لاعلان دستوري في النظام الديموقراطي. النصان من باب البدعة لتخطيهما سلطات أي شخص كان في النظام الجمهوري. للرئيس وحكومته اعلان برنامج وخطط سياسة وليس لهم الحق في سنّ اعلانات دستورية.
المادة الثانية: في حالة ظهور دلائل أو قرائن جديدة تعاد التحقيقات في جرائم قتل، والشروع في قتل، وإصابة المتظاهرين، وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد المواطنين فى المدة الواقعة ما بين يوم 25 كانون الثاني 2011، ويوم 30 حزيران 2012، وكان ارتكابها بسبب ثورة 25 يناير أو لمناسبتها أو متعلقاً بها. فإذا انتهت التحقيقات إلى توافر أدلة على ارتكاب الجرائم المذكورة أحالت النيابة العامة القضية إلى المحاكم المختصة قانوناً، ولو كان قد صدر فيها حكم نهائي بالبراءة أو برفض الطعن بالنقض المقام من النيابة العامة على حكم البراءة. في الفقرة الأولى رطانة، لأن المبدأ الأساسي في دولة القانون ضرورة محاكمة القاتل، وفي الفقرة الثانية تعدٍّ على حجية القضية المحكمة، ولا تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى في جلّ شرائع العالم.
المادة الثالثة: فى حالة عدم موافقة الناخبين على مشروع الدستور، المحدد لاستفتاء الشعب عليه يوم السبت الموافق 15 كانون الأول 2012، يدعو رئيس الجمهورية، خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، لانتخاب جمعية تأسيسية جديدة، مكونة من مئة عضو، انتخاباً حراً مباشراً. وتنجز هذه الجمعية أعمالها خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ انتخابها. ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين للاستفتاء على مشروع الدستور المقدم من هذه الجمعية خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ تسليمه إلى رئيس الجمهورية.
وفي جميع الأحوال تجري عملية الفرز وإعلان نتائج أي استفتاء على الدستور باللجان الفرعية علانية فور انتهاء عملية التصويت؛ على أن يـُعلق كشفٌ بكل لجنة فرعية موقعاً من رئيسها، يشتمل على نتيجة الفرز.
أسوة بسوابقه، يتجاهل الاعلان الفرق البيّن الذي يفصل الدستور عن القانون، فالدستور مسار جامع لا يجوز الاستعجال فيه لأنه يحتاج إلى أوسع قدر من المشاركة والمصادقة، وقد أخفق الرئيس المصري وأنصاره في العمل على دستور يخاطب جميع المواطنين صياغةً ومضموناً. ويضاعف الاسراع في وضعه كما في فرضه باستفتاء معجّل ما انتهت إليه الجمعية التأسيسية من عضوية لونها الطاغي ذكورة مسنة وطيفها المعلن اسلامها السياسي. أمااختصار الجواب الشعبي بنعم أو لا في استفتاء فيمثل منذ نابوليون أداة مفضلة للطغيان.
كما أنه لا مسوّغ للتعجيل بالدستور قبالة مثل هذا الكمّ من المعارضة الشعبية، ولا حاجة للخوف من الفراغ، فالحكومة والرئاسة تعملان، ويكفي تصرفهما بالفطرة الثورية الجامعة وبالارتكاز على عديدالمواد الجيدة الموجودة في دستور1971 والذي تم تعديله لتلبية الثورة بلجنة ترأسها الدكتور طارق البشري وتمت المصادقة الشعبية عليها في 19 آذار 2011. وتثير الفقرة الأخيرة من المادة قلقاً عميقاً بتغييبها لدور القضاء في عمليات التصويت والفرز.
المادة الرابعة: الإعلانات الدستورية، بما فيها هذا الإعلان، لا تقبل الطعن بها أمام أية جهة قضائية؛ وتنقضي الدعاوى المرفوعة بهذا الشأن أمام جميع المحاكم. تكرر هذه الفقرة المادة السادسة من الاعلان الدستوري السابق من تعبيرالحاكم بأمره عن ترفع قراراته عن المساءلة القانونية، وهو ما دفع الناس الى التظاهرات الصاخبة التي لم تهدأ منذ الإعلان السابق.
نموذج سياسة رديفة تستحق مصر ثورة النيل أفضل من إعلانات كهذه، وقد يكون مفيداً استبدالها ببيانات حكومية (لا تقتصر على الرئيس وليست "إعلاناً دستورياً") ترسم مساراً دستورياً بديلاً يشمل جميع المصريين على المنوال التالي:
الحكومة المصرية
وفي ضوء الأزمة المؤلمة التي تعيشها البلاد، ودرءاً للدماء البريئة، تتقدم الى الشعب المصري بهذه الخطوة الأولى في سياسة شاملة تهدف الى اعادة لحمة ملايين المصريين المشتركين في ثورة النيل التاريخية، قوامها مبدأ المحاسبة في منع إفلات القاتل من العقاب، وتوفير أوسع المشاركة الممكنة في رسم الدستور الجديد والمصادقة عليه. 1 - وعملاً بمبدأ المحاسبة الغالي على فلسفة اللاعنف في الثورة السلمية، تعاقب أعمال الحبس والتعذيب وسائر الجرائم الاعتباطية التي اقترفتها الاجهزة الحكومية منذ اندلاع الثورة في 25 كانون الثاني 2011 في المحاكم الجنائية العادية.
2 - يتم التحقيق في جرائم القتل المقترفة في الأحداث الحاصلة منذ 22 تشرين الثاني 2012 تحت اشراف هيئة من كبار القضاة تضم رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس محكمة النقض والنائب العام، ويحال المتهمون الى المحاكم الجنائية العادية مع حفظ حقهم بالاستئناف.
3 - وفي المسار الدستوري القائم على مبدأ شمول الدستور لمشترك الثورة من لاعنف واحترام كرامة الانسان وحرمة شخصه وأملاكه، تعتبر جميع الاعلانات الدستورية لغواً منذ أول إعلان أصدره المجلس العسكري.
4 - تحيي الجمعية التأسيسية أعمالها بهدف توفير أوسع وأشمل تمثيل لثورة النيل في دستورها.
5 - يُعتد حتى المصادقة على الدستور الجديد بدستور 1971 المعدل في لجنة الدكتور طارق البشري والمصادق عليه في 19 آذار 2011، وبالمبادئ السلمية والحرية والمساواة التي أرستها ثورة النيل والتي تستمر الى اليوم.
6 - الدستور الجديد يعتمد في مصادره على جلّ تراث مصر العظيم الفقهي والقانوني بناء على مبادئ الثورة السلمية ويسعى الى توفير نموذج قانوني متقدم في مصر وفي العالم.
7 - يطلب من الاعضاء المستقيلين في الجمعية التأسيسية العودة الى العمل فيها، ويضاف ثلاثون عضواً لتمثيل القيادات الثورية الرديفة من نساء ونقابيين وأقليات دينية والشباب.وتشترك الحكومة مع أقطاب المعارضين لمسودة الدستور الحالي للتوصل الى تمثيل شامل للتنوع المصري في الجمعية التأسيسية.
8 - يوافق على الدستور في مختلف اللجان وتصوت الجمعية التأسيسية عليه بغالبية ثلثين (أو ثلاثة أرباع) في نص واحد متكامل.
9 - تتشاور الحكومة والجمعية التأسيسية الموسعة على آلية المصادقة الشعبية عليه.
أستاذ زائر في كلية الحقوق بجامعة يال Yale ورئيس منظمة الحقّ باللاعنف righttononviolence.org |