الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
تشرين الثاني ٣٠, ٢٠١٢
الكاتب:
فؤاد السعيد
المصدر:
موقع الوطن المصري
مرسى ربانى يتخطى الحواجز!!
من بين مواد الإعلان الدستورى، حظيت المادتان الثانية والسادسة بالنصيب الأوفر من الرفض. تنص الثانية على تحصين قرارات الرئيس، بينما تتيح له السادسة اتخاذ التدابير لمواجهة أى خطر على الوطن ومؤسسات الدولة. السمة الواضحة للرافضين من القوى المدنية -وبعض الإسلاميين الديمقراطيين- هى الذهول إزاء انقلاب دستورى غير مسبوق فى التاريخين الدستورى والسياسى.
الغريب أن الإخوان المسلمين بدورهم انتابهم ذهول موازٍ نتيجة اتساع نطاق الرفض لهذا التحصين!!
ثمة تباين صارخ فى الطريقة التى ينظر بها كلا الطرفين للأمر؛ ففى مقابل الطريقة الواقعية التى يقيّم بها المدنيون أمور السياسة، ثمة ميل لتمديد المنطق الدينى الروحانى ليشمل تفسير مسائل السياسة عند الإخوان. حين رشحوا الشاطر للرئاسة، هدد المرشد الصحفيين من انتقاده، لأن دعاءه على الناس مستجاب، وحين فاز مرسى بالرئاسة كتب الدكتور عبدالعليم أبوقرمة مقالاً فى موقع الإخوان تحت عنوان «مرسى ربانى يتخطى الحواجز»، كما وصفه الشيخ السلفى سعيد عبدالعظيم بأنه «مؤيَّد من الله» ووصف قراراته بأنها «فضل عظيم ونعمة من الله». على الرغم من سياق الدعابة أو المجاز فى هذا الوصف أو ذاك، فإنه يعكس نظرة الإخوان لذواتهم باعتبارهم مؤيَّدين من الله، وشعورهم بالأفضلية الدينية والأخلاقية -لا التعالى- بالمقارنة بغيرهم.
تفسر هذه النظرة للذات تلك الأريحية والسلاسة وحسن النية التى عرض بها الإخوان مسألة تحصين قرارات الرئيس على المصريين، اتساقاً مع ثقتهم المطلقة فى أخلاقية عضو من جماعتهم، ليس وارداً أن يستغل فترة التحصين لغير الصالح العام. بمصطلحات الدكتور المسيرى، استخدم الإخوان -كجماعة تقليدية- الأسلوب «التراحمى» عندما طالبوا معارضيهم بالثقة فى مرسى «بكلمة شرف»، فى المقابل لا يعرف علم السياسة الحديث سوى الأسلوب التعاقدى، حيث لا بد من صياغات مكتوبة بإحكام ووضوح لكل شىء. الرئيس والإخوان خلطوا بين مجال المعاملات الشخصية والاجتماعية ومجال التفاعل السياسى.
يتمثل التفسير الثانى للأمر فى تلك العقلية التقليدية للإخوان وقطاع واسع من المصريين، عقلية تطمئن للثبات والاستقرار والامتلاء، وتكره وتفزع من الحركة والتغير والفراغ، ولذلك فهى تميل سياسياً لتثبيت الدستور والمجالس النيابية بسرعة. على العكس، يتقبل الشباب الثورى وبعض المعارضة المدنية فكرة عالم سياسى ينطوى على الحركية والتغير الدائم وهدم المؤسسات وتجديدها، ويفسر ذلك طرح بعضهم لفكرة العمل مؤقتاً فى ظل دستور 71، مع تعديل المواد التى يتوافق المصريون على صياغاتها الجديدة، وانتخاب المجالس النيابية، على أن يتم الحوار الوطنى الهادئ -دون ضغط الوقت- حول مواد الدستور خلال عدة سنوات كما فعلت كل الدول فى أعقاب الثورات.
أخيراً، يفتقر الإخوان للعقلية التاريخية، إذ يعتقدون فى إمكان أن تولد الديمقراطية من رحم الدكتاتورية «المؤقتة». فى المقابل يعتقد الطرف الآخر أن البدايات تؤدى لنهاياتها المنطقية؛ فالإعلان الدستورى سيخلق -بمجرد صدوره وبحكم وضعية الرئيس فيه- مناخاً سياسياً ضاغطاً على كافة التيارات السياسية -باستثناء جماعة الرئيس- وهو وضع لا يكفل خروج دستور توافقى مرضٍ لكل الأطراف، ويبشر بدولة فاشية فى نهاية المطاف، كما حدث فى تجارب دول عديدة اتخذت هذا المسار.
منذ الثورة، نكص الإخوان ثم الرئيس عن العديد من وعودهم بحجة تغير الظروف، وتكشفت قناعتهم بأن مصالح الوطن ومقاصد الإسلام تتطابق مع مصالح الجماعة ومقاصدها، فكيف يتوقعون قبول القوى السياسية والأقليات وعموم المصريين بهذا التحصين غير المسبوق لقرارات الرئيس بعد استحواذه على كل السلطات. وإذا كان الرئيس مؤيَّداً من الله فى اعتقاد جماعته، فلماذا يستغرب البعض رغبتها فى تحصينه من البشر؟
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
إقرأ أيضا للكاتب
دور "العمى الإدراكي" في تفسير ارتباك الثورات العربية (حالة مصر)
اللجوء إلى الأطراف: الجغرافيا المتحركة للعنف الإسلامي في مصر
من الثورة للسياسة.. من السياسة للثورة
ثورة مرسى الثقافية
المصدومون بالفتنة فى «الخصوص»!!
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة