كان لاندلاع الثورات في العالم العربي أثر كبير على الحركات النسائية والنسوية التي دخلت مرحلة جديدة في نضالها من أجل انتزاع حقوق المرأة. فانهيار حاجز الخوف وما نتج عنه من إعادة اكتشاف الإحساس بالكرامة والحرية، أثّر في الرجال كما في النساء الذين شاركوا في التحرّكات الشعبية التي أطاحت بعض الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة.
والثورة بالنسبة للعديد من النساء ما زالت مستمرّة، وهي الآن موجّهة ضدّ "القوى المحافظة" وتهدف الى انتزاع الاعتراف بالمواطنية الكاملة. وبالرغم من الخطر الذي يهدّد أوضاعهنّ في أكثر من بلد والعنف اليومي الذي يتعرّضن له، هناك العديد من الاشارات التي تبعث على التفاؤل وتدفع الى الاعتقاد أن "نهضة" الحركة النسائية العربية هي في طريقها الى التحقّق.
جيل جديد من النساء والرجال متضامن مع قضايا المرأة
ظهر هذا الجيل الجديد من الناشطين في التظاهرات التي عمّت البلدان العربية والتي كان لها أثر نفسي إيجابي على من شارك فيها. إذ أعادت للفرد احترامه لنفسه بعد أن عملت سلطات الاستبداد على تهميشها.
وبالرغم من تمسّكه بهويّته الوطنية، يؤمن هذا الجيل، في الوقت ذاته، بعالميّة القيم النسوية التي تطالب بالمساواة. ويرفض بالتالي، على عكس الجيل الذي سبقه، تأجيل البحث في المواضيع المتعلّقة بتحرّر المرأة، باعتبار أنها ليست من الأولويّات. وقد اعتمد على أساليب التكنولوجية الحديثة، التي يتقنها، لإيصال أفكاره ولحثّ الناس على التحرّك ومواصلة "النضال". فلجأت، على سبيل المثال، الجمعية التونسية للنساء، "الإلتزام المواطني - Engagement Citoyen"، الى تحريك الرأي العام وتشجيع التونسيين على المشاركة في الانتخابات الأولى التي نُظّمت بعد سقوط الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وذلك من خلال إنتاج ونشر فيديو على "يوتيوب" بعنوان "عودة بن علي؟".
"نهضة" الخطاب النسوي على صفحات التواصل الاجتماعي
لا شكّ أن "الانترنت" لعب دوراً مهمّا في الثورات، وتحديداً في ما يتعلّق بالحراك النسائي. إذ إن شبكات التواصل الاجتماعي فتحت المجال أمام النساء في أكثر الأماكن عزلة وأكثر البلدان محافظة لأن تطّلع على الأحداث وتشارك في النقاشات وتعطي آراءها. وهذا خفّف من الاحساس بالوحدة الذي كنّ يعانينَ منه تجاه الظلم اليومي الممارس بحقّهنّ. كما خلقت صفحات التواصل إحساساً بالتضامن تخطّى كل الحدود. اذ استطاعت جمعيات مثل "خريطة التحرّش الجنسي – HarassMap" في مصر، جعل التحرّش في صلب نقاشات المجتمع بعد أن كان ممنوعاً الكلام عنه، وقرّرت مجموعة من الصحافيات الجزائريات العاملات في محطّة إذاعية، رفع دعوى جماعية ضدّ مديرهنّ بتهمة الاعتداء الجنسي، واعتمدت نساء يمنيّات مشروع المصريات ذاته في مواجهة التحرّش. وفي المغرب، نُظّمت حملة بعد انتحار أمينة الفلالي (التي أُرغمت على الزواج من مغتصبها) طالبت بتعديل القوانين. وفي لبنان، أطلقت منظمتا "نسويّة" و"كفى" حملة مشابهة تطالب بإلغاء المادة 522 من القانون الجزائي اللبناني التي تعفي مرتكب الاغتصاب من الملاحقة القضائية في حال تزوّج ممّن اغتصبها.
كما أن تكاثر الحملات والصفحات على "فايسبوك" المتعلّقة بالمرأة في العالم العربي، فتح المجال لحرّية التعبير وأطلق طاقة إبداعية إستثنائية. وبالرغم من أن هذه الحملات كانت "إفتراضية"، إلاّ أن تأثيرها كان كبيراً على أرض الواقع. فالنساء السعوديات أطلقن على "فايسبوك" حملة "لقيادة السيارة" ثم قدنها بالفعل. والحملة التي أطلقتها صفحة "إنتفاضة المرأة في العالم العربي" والتي لقيت رواجاً مذهلاً، لم تقف عند حدود العالم الافتراضيّ، إذ بدأ "لوغو" الصفحة يزيّن جدران بعض العواصم العربية، كما صار يشار إليه بما يشبه تحوّله هويّة ثقافية.
إستعادة الجسد
بفضل العالم الإفتراضي، أخذت حركة النساء الاعتراضية شكلاً لم يكن وارداً اتّخاذه من قبل في العالم العربي، وهو الاعتماد على الجسد لدعم ثورة المرأة بوجه النظام التسلّطي.
فالسيطرة على حرّية المرأة تمرّ في المجتمعات العربية بشكل خاص عبر الجسد. هذا الجسد المغطّى، المخفي، العذريّ، الولّاد، هو محور كل المحرّمات والهوس. فهو يشكّل شرف العائلة وفي الوقت ذاته هو مصدر الإغراء والفتنة. علياء المهدي، الصبيّة المصرية، قرّرت "الانحراف" عمّا هو متّبع وتوجيه صدمة عبر نشر صورها عارية على مدوّنتها. ممثلتان تونسيّة وأخرى إيرانية ظهرتا في مجلّات وأبرزتا أجزاء من جسديهما للقول إنهما تقرّران كيف تظهران وبأي شكل.
وفي سوريا، تحوّل الجسد الى "لوحات" فنّية، يُعبَّر من خلالها عن مواقف سياسية. وقرّرت سوريّات مواجهة صور الجثث المشوّهة وقصص الاغتصاب والتعذيب برفع صور تطالب بالحرّية وبوقف القتل وبكتابة شعارات على أجسامهن وملابسهنّ. كما قامت الناشطة دانا بقدونس بنشر صورة لها كاشفة فيها عن شعرها، بعدما كانت مضطرّة الى تغطيته لفترة طويلة. وقد أثار الأمر حملات تضامن معها بعد تعرّضها لحملات تهجّم.
هذه كلّها مؤشرّات الى "انتفاضة" النساء ضدّ العنف الممارس بحقّهن وضد الإقصاء الذي تجسّده القوانين التمييزية، وعلى إرادتهنّ استرجاع ملكية أجسادهنّ، وعلى ثورتهنّ بوجه نظام جعل من هذا الجسد مكاناً تدور فيه المعارك الاجتماعية والسياسية.
ولعلّ لافتة "لا تحرّرني، أنا سأتولّى أمري!" التي رفعتها صبيّة تونسية في إحدى التظاهرات، تلخّص التحوّل الذي طرأ على واقع كثرة من النساء في العالم العربي اللواتي تمرّدن على الخوف وانتقلن من كونهنّ ضحايا الى متحكّمات بمصائرهنّ...
على أن المسيرة ما زالت طويلة، وهي ستواجه الكثير من المقاومة. المهمّ أن تبدّلاً حصل في شكل التعاطي مع قضايا المرأة، وأن تكريس هذا التب
دّل ثم ترجمته ثقافة وتشريعات جديدة سيكون مقياس نجاحه المقبل.
*باحثة جزائرية مقيمة في فرنسا، أمينة سرّ "صندوق نساء المتوسّط".
لخّصت النصّ وترجمته من اللغة الفرنسية ريّان ماجد
|