بعد نقاشات مستفيضة وحوارات متشابكة وجهود مخلصة، توصلت قوى المعارضة السورية إلى التآلف وانتخبت رئيسا جديداً مع نائبين له. ضم الائتلاف الوطني السوري ممثلين عن غالبية القوى السياسية الفاعلة على الأرض وشخصيات وطنية ممثلة للتطلعات السورية على مختلف مشاربها. وشارك المجلس الوطني السوري، بعد إعادة هيكلته على أسس انتخابية وليس توافقية، بمجموعة كبيرة من المقاعد في الكيان السياسي الجديد.
توالت الاعترافات بالجسم السياسي السوري الجديد. فقد اعترفت فرنسا وتلتها تركيا وإيطاليا، وبصورة مجتزئة أميركا، بالائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري بانتظار استكماله تشكيل حكومة مؤقتة يغلب عليها التكنوقراط. وجاءت التعبيرات الديبلوماسية مرحّبة من الدول الأخرى مع جرعة ترقب. من جهتها، لم تستطع الجامعة العربية أن تُشغل مقعد الدولة السورية الفارغ بممثلين عن الائتلاف الجديد بسبب تعنت بعض الدول الأعضاء ممن تخشى أن تصلها رياح التغيير أو من تلك التي تنأى بنفسها عن كل ما هو مسؤولية سياسية ووطنية وعسكرية تاركة قوى مسلحة غير مسؤولة تسيطر على دكاكينها التوافقية. وأتى تردد بعض الدول الأخرى مفاجئا للبعض ولكنه يدل على عجز ديبلوماسي في تفعيل آليات القرار في ضوء التغييرات الحاصلة في هذه الدولة أو تلك. بالتأكيد، لا يعوّل السوريون كثيرا على دور هذه المنظمة الاقليمية إلا في حاملها الرمزي. وهم أيضا لا ينتظرون الكثير من الاعترافات الدولية خارج التأثير المعنوي واستعادة بعض الصدقية الأخلاقية التي تأخرت أشهرا عدة وتسهيل الحصول على المساعدات الإنسانية.
المهمات السياسية والتنظيمية كبيرة الحجم وهائلة المعنى أمام الائتلاف الجديد الذي سيحاول بالتأكيد عدم الوقوع في استعادة تجربة عدم فاعلية المجلس الوطني المترتبة عن ضعف الدعم الدولي، وعدم التواصل الفاعل مع القوى الثورية، والأنا المتضخمة لبعض أعضائه، وصيغته التوفيقية والتوافقية، رغم كل النيات الوطنية الصادقة.
وبانتخاب أحمد معاذ الخطيب رئيسا إلى جانب سهير الأتاسي ورياض سيف، يبدو أن السوريين ابتعدوا عن فكرة المحاصصة الطائفية أو المناطقية التي أراد لهم الجميع، بدءا من السلطة وانتهاء بالمبادرات السياسية الدولية والأممية، أن يتبنوها. وما حملته كلمات الخطيب في حفل توقيع الائتلاف من بساطة عميقة ومن توجهات أخلاقية، لا يمكن أن توصف بالمثالية، افتقدها الخطاب السياسي عموما منذ فترة، كان مؤشرا لوعي وجداني بصعوبة إدارة المرحلة بعيدا عن الوعود الخلابة والتصريحات المبالغ بها التي يُنتظر سماعها ممن يتولون منصبا جديدا بهذه الأهمية.
وعلى رغم من أن ممثلي جميع القوى السياسية كانوا حاضرين إعلاميا منذ آذار 2011 بخطابات مهمة، فإنه من الظلم أن تُعتبر كلمات الخطيب داخلة في السياق نفسه لأنها محدودة التفاؤل بحلول إعجازية وواضحة الرسائل الأخلاقية والوطنية وقوية الاعتماد على تواصل إنساني مع قوى الشباب والنساء التي همشتها السياسات التقليدية. الاعتماد على الذات صنعة سورية بامتياز، والرئيس الخطيب يعي هذا الأمر منذ اليوم الأول.
استاذ جامعي في باريس
|