من السهل إحصاء الأضرار المادية التي خلفتها الأيام الأربعة الماضية لكن الأضرار السياسية تحتاج إلى آليات أخرى لإحصائها ومعرفة حجمها وبالتالي فان التفكير في اليوم التالي للعاصفة لا يتوقف على إحصاء الآثار العيانية فقط، وفي هذه الحال من أين نبدأ؟
في هذا المقام أتذكر قولا للملك الراحل الحسين طيب الله ثراه حين قال في ربيع العام 1989 : «لن نسمح لغيمة الأمس أن تظلل اشراقة الغد وهي قراءة في يوم تال على عاصفة مماثلة وكانت جملة من الإجراءات : إلغاء الأحكام العرفية وإطلاق عملية سياسية توجت بانتخابات نيابية أنتجت البرلمان الحادي عشر ، الآن ينتصب السؤال كيف يمكن أن تمنع غيمة الأمس من أن تظلل اشراقة الغد وبأي أدوات.
ثمة استنتاجات أولية يمكن الخلوص إليها على هوامش ما جرى في الأيام القليلة الماضية:
أولا: غالبية من نزل إلى الشارع لم يكن مسيسا وفقدت الأحزاب التقليدية والمستحدثة تأثيرها في مجريات الأحداث لذلك رافقها عنف منفلت غير مقبول ولا يمكن قبوله سياسيا من قبل المعارضة قبل أجهزة الدولة.
ثانيا غالبية من نزل إلى الشارع هم ممن سجلوا للانتخابات المقبلة وبالتالي كيف سيكون إقبالهم على الصناديق أن لم يجر اجتذابهم عبر حزمة سياسية تقنعهم بجدوى الانتخابات. ثالثا: الشعارات التي ارتفعت في بعض الأمكنة وتجاوزت السقوف والمألوف لا يمكن لأي تيار سياسي أن يتحمل تبعاتها مما يعني أنها أطلقت من منصة الغضب وليس من منصة سياسية تعرف ما تقول .
رابعا: تحمل المستوى الأمني خلال الأيام الماضية ما تنوء عن حمله الجبال وتصرف في كثير من الأحيان بضبط نفس عال ومسؤولية كبيرة فهل يستطيع المستوى السياسي تحمل مسؤولياته ويرتق ما أنفتق خلال الأيام الأخيرة وماذا في جعبته غير تلك اللغة التي اعتمدها قبل انفجار الأوضاع.
خامسا : يخطئ من يظن إن عودة الهدوء تعني عودة الأمور إلى ما قبل اتخاذ قرار رفع الدعم عن المحروقات فمفاعيل القرار لم يلمسها الناس بعد وبالتالي فان السكوت ليست دائما علامة الرضا.
سادسا : من خرج إلى الشارع خلال الأيام الماضية لم يطالب بتعديل الدستور ولم يغضب بسبب شكل من أشكال قوانين الانتخاب وبالتالي فان تحويل الأنظار إلى هذا الأمر هو اختطاف لغضب الناس وصرفه في بنك السياسة دون تفويض من الناس وهو – في ظني – سرقة لرصيد معنوي أنتجه الناس.
سابعا : الرسالة التي لا يمكن إغفالها إن الناس لم تعد تقبل بنهج اقتصادي محدد ظهرت نتائجه الكارثية وبالتالي آن الأوان لإعادة النظر فيه جذريا.
ثامنا: لم يعد أمر التفكير نيابة عن الناس مقبولا خصوصا بعد ثورة الاتصال وتدفق المعلومة وبالتالي من الحكمة التقدم بخطوتين إلى الأمام الإعلان عن دخول الأردن عصر الجماهير الحكيمة ومغادرة عصر الحكومة الحكيمة.
تاسعا: ظهر جليا حرص الأردنيين على أيقونة الأمن والاستقرار باعتبارهما منجزا وطنيا لا يمكن التفريط به وتمثل ذلك في تعاون العديد من الناس مع رجال الامن في منع توسع ظاهرة الانفلات وقيام العديد من الشبان بالتطوع لحراسة أماكن ومقرات رسمية على طول البلاد وعرضها.
عاشرا: تأكدت حيوية فكرة الحوار باعتباره السبيل الوحيد لمواجهة التحديات واشتقاق وسائل مواجهتها.
|