الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
تشرين الثاني ٣, ٢٠١٢
الكاتب:
فؤاد السعيد
المصدر:
موقع الوطن المصري
«مجرد» ثورة تحريك!!
القلق هو عنوان المرحلة الراهنة فى مصر.. الإسلاميون قلقون على تجربتهم الوليدة المتعثرة فى إدارة البلاد، أما أنصار الدولة المدنية -من كل الأطياف- فإن قلقهم يمتد إلى الشك فى الثورة ذاتها، وبالتالى فى مصيرها، يراجعون أفكارهم ويعيدون طرح الأسئلة الأولية من جديد: هل كانت ثورة فعلاً أم مجرد انتفاضة؟ هل لا يزال ربيعاً ديمقراطياً ثورياً أم أنه تحول -عبر صناديق الانتخاب- إلى ربيع إسلامى محافظ؟ هل سينتهى الأمر إلى مجرد «إحلال نخبوى» محدود؟ هل يتغير شكل الخطاب السياسى ليتخذ مظهراً إسلامياً مع استمرار نفس هيكل النظام الاقتصادى الاجتماعى كما كان.. إلخ.
أشارك هؤلاء جميعاً قلقهم المشروع، ولكنى -على العكس منهم- متفائل على المدى المتوسط، بل القصير، وأظن أن مشكلتهم المنهجية تكمن فى هيمنة نموذج يوليو الثورى على عقولهم: أحد أطراف الصراع السياسى (شباب الجيش) يتمكن من السيطرة على الحكم عقب هزيمة نهائية سريعة للطرف الحاكم، وبالتالى يتمكن الحكام الجدد من إحداث تغييرات جذرية فورية فى بنية النظام: الإصلاح الزراعى، تمصير ثم تأميم المصانع والشركات.. إلخ.
أصبحت المجتمعات أكثر تعقيداً فى زمننا مقارنة بحقبة الخمسينيات، تزايد دعم النظامين الدولى والإقليمى للنظم الحاكمة؛ حماية لشبكة من علاقات المصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، بحيث لم يعد الإسقاط «الفورى والنهائى» لتلك النظم ممكناً بنفس البساطة السابقة.
لم تعد الثورات الشعبية السلمية الحديثة تعتمد على القوة الباترة العنيفة للجيوش الوطنية. يمكن تقييم مدى نجاح الثورات الجديدة وفق «نظرية الفراشة» التى ترى أن هزة جناح فراشة فى أقصى الأرض، يمكن أن تحدث تأثيرات بالغة فى الكون كله. هل كان ما حدث فى 25 يناير أقرب إلى ثورة تحريك؟ هل كان تأثيرها السياسى والثقافى والمعنوى من القوة بحيث ينتج تتاليات «ثورية» عبر فترة زمنية ممتدة؟ هل نجحت الثورة فى كسر رأس النظام التسلطى الذى كان ينجح بالتزوير ويمنع الديمقراطية؟ هل نجحت فى فرض أول انتخابات ديمقراطية عرفها تاريخ مصر؟ هل فتحت الباب أمام حق تشكيل الأحزاب لكافة القوى السياسية؟
نعم نجحت وبجدارة، والأهم أنها -كثورة ثقافية، لا مجرد ثورة سياسية- نجحت فى عكس اتجاه التاريخ قبلها، وسأكتفى هنا بمثال واحد لقدرة الثورة على «تحريك» أبعد الأطراف عنها: الإخوان والسلفيين.
قبل الثورة بشهور قليلة رصد الراحل حسام تمام اتجاهاً تاريخياً مستمراً منذ الخمسينيات يتحول معه الإخوان تدريجياً من الوسطية الإخوانية الأولى إلى المزيد من التسلف المتشدد والمنغلق تحت التأثير الوهابى السعودى، وصل إلى ذروته السياسية فى الانتخابات الداخلية للجماعة عام 2010. أما اليوم وبعد أن فتحت الثورة أبواب المشاركة فى الحكم للجميع؛ بمن فيهم القوى الإسلامية التى كانت «محظورة»، تشهد الجماعة تحولاً عكسياً، يدور داخلها جدل مكتوم بين نزعات متعددة فى الفقه السياسى اقتراباً من فقه الواقع، تمثلت إرهاصاته الأولى فى خروج تيارات ذات مكون شبابى واضح منها كالتيار المصرى ومصر القوية.
والأهم من ذلك أننا نشهد -بفضل الثورة- ظاهرة عكسية هى «تأخون السلف» لا «تسلف الإخوان»، أى قبول السلفيين لأول مرة بالمشاركة السياسية، وظهور نزعات سياسية عملية جديدة غير معهودة فى أوساطهم كانت وراء أزمة الفقه السياسى الأخيرة لحزب النور. فتحت الثورة الطريق أمام رياح التغيير التى من المؤكد أنها ستطال الجميع على أرض مصر عبر فترة ثورية ممتدة ما زلنا فى بدايتها. ولا يزال بعضهم يقول بأسى وإحباط: للأسف، كانت «مجرد» ثورة تحريك لا ثورة تحرير!!
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
إقرأ أيضا للكاتب
دور "العمى الإدراكي" في تفسير ارتباك الثورات العربية (حالة مصر)
اللجوء إلى الأطراف: الجغرافيا المتحركة للعنف الإسلامي في مصر
من الثورة للسياسة.. من السياسة للثورة
ثورة مرسى الثقافية
المصدومون بالفتنة فى «الخصوص»!!
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة