بعد تحذير القائد العام لشرطة دبي – ضاحي خلفان في نهاية تموز الماضي من "مؤامرة دولية" تخطط لاطاحة دول خليجية وإضافته بأن "على الإخوان وجميع حكومات دول الشام وشمال أفريقيا أن يعرفوا بأن الخليج خط أحمر ليس على إيران فقط، ولكن على الإخوان أيضا".
وبعد تصريح الشيخ عبد الله بن زايد الأخير عن خطر الإخوان المسلمين لعدم إيمانهم بالدولة الوطنية، تزداد الريبة والتوجس من النجاحات التي حققها "الإخوان" في مصر وتونس واليمن من جانب معظم حكومات دول مجلس التعاون الخليجي. والحقيقة أن الخوف من "الإخوان" لا يرجع إلى اتهام بعضهم بالتورط في مؤامرة على دولة الإمارات، وإنما إلى انتشار نفوذهم السياسي على مستوى الشباب في منطقة الخليج والجزيرة العربية.
هذا مع العلم أن هذه الدول نفسها كانت تستقبل قيادات من "الإخوان" وتوظفهم مستشارين لها في الوقت الذي كان يزج برفاقهم في السجون في مصر وسوريا. فالإخوان كانوا دائما مقربين ومرحبا بهم عندما كانوا مضطهدين، لكنهم محل تحذير واتهام بالتآمر بعد سقوط حكام الاستبداد والفساد. وإن كان الأمر يبدو متناقضا لأول وهلة، إلا أنه ليس بعسير على الفهم.
ويرجع ذلك إلى أن غالبية دول مجلس التعاون الخليجي ترى أن أي نمو لحركة سياسية محلية لها امتدادات عربية خطراً على الاستقرار السياسي لهذه الدول. ولربما أصبح الوضع أصعب أو الخطر أكبر لأنه لا يمكن توجيه الاتهام بحمل أفكار هدامة للقيم الدينية لطروحات هذا التنظيم مثلما كان الاتهام يوجه الى الحركات السياسية العربية اليسارية والقومية. فيبدو أن متطلبات الإيمان بالدولة الوطنية من وجهة نظر بعض القياديين في دول الخليج والجزيرة العربية، هي عدم التأثر أو التفاعل مع رؤى أحزاب سياسية عابرة للحدود، وإن كانت عربية أو إسلامية. وقد انعكس ذلك في الموقف السياسي لدول خليجية من مصر بعد سقوط نظام مبارك وتولي "الإخوان" موقع الرئاسة. ولاحظ المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في تحليله المنشور في "القبس" بتاريخ 9/9/2012 أنه مع وجود اهتمام خليجي بتوفير المساعدات لمصر من جانب قطر والسعودية، إلا أن هناك فتوراً في تقديم الدعم المالي لمصر من جانب الكويت والإمارات لأسباب تتعلق بهيكل السلطة الذي أفرزته ثورة يناير.
ولا بد أن نختلف مع المواقف السياسية التي ترى أن "الإخوان" يعملون بالضرورة على تقويض أو إضعاف أسس الدولة الوطنية في الخليج العربي. إلا إذا اعتبرنا أن أي رأي حول أسلوب إدارة الدولة ومدى المشاركة السياسية للمواطنين في تشكيل سياستها هو بمثابة تعدٍ ومظهر لعدم الإيمان بالدولة الوطنية. وإن كانت نتائج الربيع العربي في طور تحول لم يكتمل فيه بعد تشكل بناه الداخلية والخارجية فإنه بدا واضحا أن القوى السياسية الإسلامية سواء "الإخوان" أو غيرهم تلعب دورا كبيرا في توجيه اتجاهه.
ففي هذا الجو الفكري الناتج من تدني مستوى التعليم وانتشار الفقر، كان متوقعا أن تنال الأحزاب الإسلامية نتائج مميزة في انتخابات المجالس التشريعية. فالميول السياسية للأفراد أسهل أن تشكلها العواطف الدينية، لذا كان من الطبيعي أن تصل هذه الأحزاب إلى السلطة. ويبدو أن خلافاتها لن تنحصر بقوى أكثر انفتاحا، بل أن تحدياتها ستكون أكبر من قبل قوى وتيارات سلفية.
ولا اعتقد ان مفهوم الدين واحد لدى "الإخوان" أنفسهم. فالتجربة السياسية والمصلحة العامة يمكن أن تغير رؤاهم إلى اتجاهات أكثر انفتاحا. وربما كانوا هم الأنسب في الحد من نفوذ تيارات دينية أكثر تطرفا.
|