| التاريخ: شباط ١٤, ٢٠١١ | المصدر: جريدة السفير اللبنانية | |  |  |
| سؤال أخلاقي - عباس بيضون |
وصلت الانتفاضة المصرية إلى أفق مفتوح. سلّم مبارك الدولة إلى الجيش، وطالب المنتفضون بمجلس حكم انتقالي أحد أفراده الخمسة عسكري. من الواضح أن المجلس العسكري يصغي جيداً لمطالب المنتفضين الذين ما زالوا في الشوارع وهم في الشوارع، كما يقولون، لحماية الثورة ومراقبة حسن تنفيذ مطالبها، الانتقال الديموقراطي سيكون سلمياً وسريعاً وذا مواقيت محدودة، إنهم لا يزالون في الشارع ولن يسمحوا بسرقة ثورتهم ومطالبهم. الشرطة تتظاهر في كل مكان مطالبة فضلاً عن زيادة الأجور بتعويضات عن جرّ النظام لها إلى علاقة سيئة بالجمهور. هذه بدعة جديدة وتطرح على المستوى الأخلاقي سؤالاً شائكاً. لا نشك في أن النظام المصري لم يوظِّف مليوناً ومئتي ألف شرطي لمراعاة الجمهور, لقد استخدمهم بالتأكيد كقوة هائلة للقمع والقمع يعني في أنظمة كهذه: الضرب والتعذيب والقتل، السؤال الأخلاقي لا يغفل عن هذه الحقيقة، لقد كان هؤلاء معوزين واستغل النظام عوزهم ليجعل منهم جلادين لشعبهم. لقد استغلهم بدون شك وهم قبلوا او قدموا أمثلة على استحقاقهم لوظائفهم. عذبوا حين اقتضى الأمر التعذيب، وقتلوا حين استوجب الأمر القتل. كان هذا عقدهم مع صاحب عملهم. أرادهم لمهمة قذرة أحياناً وأذعنوا هم وفي أحيان بالغوا فيها. حجة الشرطة يمكن أن تكون لأي من أهل النظام. لقد أريد منهم أن ينفذوا تدابير وسياسات وإجراءات سيئة، وقد أذعنوا، إذا وضعنا المسؤولية دائماً على عاتق الأعلى فلن يكون مسؤولاً سوى رؤوس النظام، وحتى هؤلاء يمكنهم استعمال هذه الحجة لحصر المسؤولية بالرأس الأول. انه سؤال أخلاقي محيّر، لكن لا يمكن إنكار أن هؤلاء يتطبعون بوظائفهم. يريدونهم أدوات ويصبحون فعلاً أدوات. يريدونهم قساة ويصبحون فعلاً قساة، يريدونهم معذّبين ويغدون فعلاً أدوات تعذيب. ثم إنهم ينتهون إلى الإيمان بوظائفهم. النظام جيد ومنتقدوه أوغاد ويستحقون التعذيب والسجن والقتل، إذ ذاك يعذبون ويقتلون بدافع من أنفسهم، إذ ذاك يدافعون لا عن لقمة عيشهم فحسب، بل عن إيمانهم وقناعاتهم، ثم إن مسؤولية النظام في تحويل مليون ومئتي ألف إلى أشرار لا تنكر، لكنهم باتوا حقاً أشراراً وأعداء للمجتمع، قد يضحك البعض حين يرى صور راكبي الجمال والجياد الذين هاجموا ميدان التحرير. كانوا يحملون سيوفاً وهراوات كأنهم في فيلم، لكن هذه السيوف والسكاكين والهراوات قتلت أكثر من اثني عشر متظاهراً. لقد قتلوا وربما بمتعة واقتناع، انه سؤال أخلاقي محيّر علينا أن لا نتركه يعيقنا. الرأس الأول في شرم الشيخ ويمكنه هو الآخر أن يقدّم حججاً من هذا النوع. |
|
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
| | |
|