بغداد: فاضل النشمي- استيقظ سكان العاصمة العراقية بغداد، أمس (الخميس)، على استعراض واسع للقوة نفذته ميليشيات مسلحة تطلق على نفسها اسم «ربع الله»؛ (الربع في اللهجة العراقية تعني الجماعة)، يعتقد أنها جزء من ميليشيا «كتائب حزب الله» الموالية لإيران. وشاهد البغداديون عشرات العجلات (الآليات) المدنية والعسكرية يستقلها مسلحون ملثمون يحملون أنواع القاذفات والأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة وهم يجوبون شوارع العاصمة، من دون أن تعترض طريقهم قوات الأمن الحكومية.
ووسط صمت رسمي لافت بشأن الاستعراض الميليشياوي المسلح الذي قوبل باستهجان وانتقادات واسعة، قال الناطق باسم «قيادة العمليات المشتركة» اللواء تحسين الخفاجي في تصريحات: «تفاجأنا من المقاطع الموجودة (بشأن الاستعراض العسكري) في مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ الجهد الاستخباري والأمني لمعرفة الأسباب». وأعلن الخفاجي عن انتهاء المظاهر المسلحة. ولم يصدر عن الحكومة العراقية أي بيان رسمي حول ما حدث (حتى لحظة إعداد هذا التقرير).
بدورها؛ نفت «هيئة الحشد الشعبي» نفياً قاطعاً وجود أي تحرك عسكري لقطعاتها داخل العاصمة بغداد، وقالت في بيان: «تؤكد (الهيئة) أن تحركات قوات (الحشد) تأتي ضمن أوامر القائد العام للقوات المسلحة وبالتنسيق مع (قيادة العمليات المشتركة)، وأن ألوية (الحشد) تسمى بالأرقام لا بالمسميات الأخرى، كما أن مديرياته تحمل التسميات الرسمية المعروفة».
وتباينت التفسيرات بشأن الأهداف التي تقف وراء استعراض «ربع الله» وسط بغداد. فقد حذرت الميليشيا في بيان من عدم استجابة الحكومة لأربع نقاط؛ ضمنها «رسالة تهديد» للولايات المتحدة الأميركية. وهددت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بـ{القصاص».
كما طالبت مجلس النواب العراقي بـ«خفض سعر الدولار مقابل الدينار العراقي». وحذرت سياسيين خصت منهم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني من «تعمد تأخير وتعطيل إقرار الموازنة من أجل الحصول على مكتسباتهم الخاصة».
وكانت الحكومة العراقية خفضت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار بنسبة نحو 15 في المائة، لمواجهة عجز الموازنة المالية ولحرمان المصارف، وبعضها مرتبط بشبكات مصارف إيرانية، من الأرباح الكبيرة المتأتية من فروقات أسعار الدولار في مزاد العملة اليومي الذي يجريه البنك المركزي العراقي، وبين أسعاره في السوق المحلية.
وأشار زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، في تغريدة عبر «تويتر»، أمس، ضمناً إلى قضية استفادة بعض الجهات من سعر الدولار السابق الذي كان يجني من ورائه بعض المصارف أرباحاً طائلة، حين قال: «لقد لجأت إحدى الميليشيات إلى الاستعراض العسكري المسلح والانتشار المكثف في العاصمة الحبيبة بغداد من أجل مطلب مثل صرف الدولار».
وذكر أنه لـ«قرار رفع صرف الدولار فوائد ومضار، ولذا تركنا قراره بيد المختصين من أهل المعرفة بأمور الاقتصاد، لكن لا يجب أن يتضرر الشعب كثيراً، خصوصاً مع وجود جشع وارتفاع أسعار في الأسواق». ويدعم الصدر وكتلته في البرلمان إجراءات الحكومة بخفض سعر صرف الدينار مقابل الدولار.
وأضاف الصدر أن «اللجوء إلى السلاح لتحقيق المطالب أمر مرفوض يجب على الحكومة الحيلولة لعدم وقوعه مرة أخرى. تلك الميليشيات تظن أنها ستنال تعاطف الشعب معها. كلا؛ فالعنف خارج نطاق تعاطف الشعب». وطالب الصدر «هيئة الحشد الشعبي» بمعاقبة الجهة التي قامت بالاستعراض في حال انتمائها لـ«الحشد» أو «إعلان البراءة منها».
وكانت ميليشيا «سرايا السلام» التابعة للصدر، قامت في فبراير (شباط) الماضي، باستعراض عسكري في بغداد، بذريعة التنسيق مع الحكومة لوجود تهديدات أمنية، مما يقدح في مصداقية الصدر ويعرضه وتياره إلى انتقادات واسعة.
وبعيداً عن قضية سعر الصرف؛ يرى بعض الاتجاهات العراقية أن استعراض ميليشيا «ربع الله» التابعة لـ«كتائب حزب الله»، يهدف إلى «تعكير أجواء انعقاد القمة التي تجمع الكاظمي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، السبت المقبل، وخلق شعور بعدم أمان العاصمة بغداد». ويقول بعض المصادر القريبة من الحكومة العراقية، إن «طهران منزعجة جداً من التقارب العراقي - المصري والأردني، لذلك قامت بتحريك ميليشياتها في بغداد لزعزعة استقرارها بهدف التأثير على أي تقارب محتمل بين العراق ومحيطه العربي».
ويؤكد مصدر مقرب من حكومة الكاظمي أن الأخير «يعي كل أبعاد وتحركات الميليشيات التي تحاول استدراجه إلى منطقة سفك الدماء التي يدفع ثمنها الأبرياء».
|