السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
آذار ٤, ٢٠٢٠
المصدر :
جريدة الشرق الأوسط
لماذا أجمع الليبيون على استبعاد سلامة؟
القاهرة: جمال جوهر
تطابقت النهايات «السعيدة» المصاحبة لاستقالة ستة مبعوثين أمميين، تناوبوا على ليبيا منذ عام 2011 إلى الآن، لكنها اختلفت إلى حد بعيد مع حالة الدكتور غسان سلامة، الذي طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإعفائه من مهامه مساء أول من أمس؛ إذ أجمع أفرقاء سياسيون بآيديولوجياتهم المختلفة والمتعارضة في شرق وغرب البلاد، للمرة الأولى على شيء واحد وهو «ضرورة استبعاد سلامة من المشهد الراهن». هذه «السعادة» التي بدت في خطاب الكثير من المحسوبين على الطرفين المتقاتلين في ليبيا، لم تخل من «شماتة وتجريح» في سلامة، كما حملت في جوانب منها الشكر للرجل على «شفافيته وتفانيه وإخلاصه» في عمله على حساب صحته ووقته، وهو ما عبّر عنه البعض بالقول: «سلامة يعد أقل المبعوثين حصولاً على إجازة، ولم نره في نزهة، كما كانوا يفعلون من قبل». وما بين الانتقادات والإشادات، تُجيب الحملة التي نالت من سلامة على مدار عدة أشهر، وزادت حدتها في النصف الأخير من شهر فبراير (شباط) الماضي، عن سؤال جوهري: لماذا طالب سلامة غوتيريش بإعفائه من مهامه؟
الإجابة المبدئية تتمثل في أن خطاب الأكاديمي اللبناني، الذي يحمل فكراً ليبرالياً، كان طوال مدة مهمته التي زادت على عامين «محتشماً» ومتحفظاً إلى حد كبير، حفاظاً على الإبقاء على مساحة تبقيه وسيطاً مقبولاً من الطرفين المتحاربين؛ لكن هذه «الطريقة الغسّانية» اصطدمت بثقافة «إن لم تكن معي فأنت ضدي».
وفي كل إفادة لسلامة أمام مجلس الأمن الدولي، أو خلال اجتماع يتناول فيه الحرب على العاصمة طرابلس، كان يكتسب عداوة جديدة، و«تصوّب إليه السهام» من كليهما؛ مثل تلك التصويبة التي جاءته، عقب انتهائه من مؤتمر صحافي في مدينة جنيف نهاية فبراير عندما قال إن قصف المناطق المدنية في ليبيا «قد يرقى إلى جريمة حرب»، وإن «هذا أمر في غاية الخطورة لا يقبل به القانون الدولي الإنساني».
فبعد هذه الإفادة زادت حدة الغضب على المبعوث الأممي، ذلك أن الموالين لـ«الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، نظروا إلى تصريحه بأنه يغمز من قناة ضد الجيش، ويقف ضد «تحرير» العاصمة، ويصفّ مع الميليشيات، ويريد إطالة أمد الأزمة من خلال (المسارات الثلاثة) العسكرية والسياسية والاقتصادية، التي يدعو إليها من يشاء.
على الجانب الغربي من البلاد، لام كل المواليين لحكومة «الوفاق»، بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين، والتابعين للجماعة الليبية المقتلة، على سلامة بأنه لا يريد أن يسمي الدول الداعمة لـ«الجيش الوطني» بالاسم، وأن يخبر مجلس الأمن بطبيعة ما يجري على الأرض، وعليه رأوا أنه «داعم للجيش في حربه على العاصمة»، مما دعا الصادق الغرياني، المفتي المعزول، في أكثر من مناسبة بـ«طرده من البلاد»؛ خاصة بعدما قال سلامة إن الأمم المتحدة رصدت وصول مئات المسلحين من سوريا إلى ليبيا، وسط مفارقة غريبة تمثلت في انشغال بعض الأطراف في طرابلس بحرف «قد»، وتساءلت: لماذا يقلل سلامة من عمليات قصف القوات «المعتدية» للمناطق المدنية؟
وهناك من يرى أن طريقة إدارة سلامة للمسارات الثلاثة، ودعوته للمشاركين بها في جنيف والقاهرة، هما خطأه الأكبر، وسط تحفز كلا الطرفين ضده، وتمسك كل منهما بشروط وصفت بـ«تعجيزية»، لكن سلامة نفى في مؤتمره الأخير بجنيف أن يكون تدخل خلافاً لرغبة مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، وقال: «هذا كذب وقح... هذا نوع من الكذب الوقح».
وذهب الليبيون من كل جانب للسخرية منه بالقول: «إنه يتلقى مئات الرسائل يومياً من ليبيين يطالبون بالاستمرار في العملية التفاوضية... لكن مشكلته أنه لا يمكنه دعوة 6 ملايين ليبي في مكان واحد».
وقبل أن تمضي ساعات على تقدم سلامة بطلب إعفائه من مهامه، بدأ الليبيون يعددون أفضاله، ويتخوفون من دخول البلاد في فوضى إضافية، ويتساءلون عن البديل؟ بل منهم من توقع بأن نائبته للشؤون السياسية الأميركية ستيفاني ويليامز هي من ستتولى هذه المهمة، في وقت ذهب فيه وزير الداخلية بحكومة «الوفاق» فتحي باشاغا إلى أنه «من الصعب أن يقبل مبعوث أممي آخر مهمة العمل في ليبيا».
وقال السياسي الليبي علي جماعة علي: «لا لوم على سلامة شخصياً... فالخطأ منذ البداية في الطلب من مثقف أن يقود جهود التفاوض في بلد فقير لثقافة (التنازل والمساومة)، تستعر فيها الحرب، ويتكالب فيها وعليها أوغاد من كل نوع».
في المقابل، ثمن كثيرون جهود سلامة، ومن بينهم السفير الأميركي لدى البلاد رتشارد نورلاند، بالقول: «أود أن أشكر المبعوث الخاص للأمين العام على عمله الدؤوب في الدعوة إلى السلام، وإلى حل سياسي شامل للأزمة التي تواجه ليبيا»، معرباً عن الإعجاب بـ«تصميم (السيد) سلامة وشجاعته، حيث تمكّن على مدار العامين الماضيين بمهارة من بناء إطار يمكن استخدامه من قِبَل الباحثين عن السلام حقاً لإنهاء الصراع، ونتطلع إلى تعيين خلف له لمواصلة عمل سلامة واستئناف الحوارات الداخلية بين الليبيين».
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
سيف الإسلام القذافي يخطط للترشح لرئاسة ليبيا
اشتباكات غرب طرابلس... وحكومة «الوحدة» تلتزم الصمت
رئيس مفوضية الانتخابات الليبية: الخلافات قد تؤخر الاقتراع
خلافات برلمانية تسبق جلسة «النواب» الليبي لتمرير الميزانية
جدل ليبي حول صلاحيات الرئيس القادم وطريقة انتخابه
مقالات ذات صلة
دبيبة يواصل مشاورات تشكيل الحكومة الليبية الجديدة
كيف تتحول الإشاعات السياسية إلى «أسلحة موازية» في حرب ليبيا؟
لقاء مع غسان سلامة - سمير عطا الله
المسارات الجديدة للإرهاب في ليبيا - منير أديب
ليبيا من حالة الأزمة إلى حالة الحرب - محمد بدر الدين زايد
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة