| التاريخ: حزيران ٢٨, ٢٠١٩ | | | |
| محمود جبريل: لا حل للأزمة الليبية إلا باستيعاب الجميع | «الجيش الوطني» الليبي يطلق حملة عسكرية مضادة لاستعادة غريان | القاهرة: خالد محمود
في تطور مفاجئ، أعلنت حكومة «الوفاق» الليبية أمس استعادة سيطرتها على مدينة غريان (80 كيلومترا جنوب غربي العاصمة طرابلس)، التي كانت قوات «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، تسيطر عليها، وتتّخذها مقراً لقيادة عملياتها العسكرية. وفي غضون ذلك أعلن «الجيش الوطني» أنه أطلق حملة عسكرية مضادة لاستعادة غريان.
ونفى مسؤول في الجيش الوطني لـ«الشرق الأوسط» ما أشيع عن محاصرة القوات الموالية للسراج للواء عبد السلام الحاسي، رئيس مجموعة عمليات المنطقة الغربية التابعة للجيش، والتي كانت توجد في المدينة، مشيرا إلى أن «تعليمات صدرت للقوات بالانسحاب مؤقتا لقاعدة أخرى، إلى حين إشعار آخر».
ورغم ذلك، بدأ «الجيش الوطني» حملة عسكرية مضادة أمس على كافة محاور القتال بتخوم العاصمة طرابلس، وذلك بهدف استعادة السيطرة على غريان، حيث لا يزال يسيطر على بلدة ترهونة، الواقعة جنوب شرقي العاصمة طرابلس، والتي تعتبر قاعدته الرئيسية الثانية في عمليته العسكرية «الفتح المبين»، الرامية إلى «تحرير» طرابلس، والتي دخلت أمس أسبوعها الثاني عشر على التوالي.
وطبقا لمصادر عسكرية فقد شن سلاح الجو الليبي، التابع لـ«الجيش الوطني»، سلسلة من الغارات الجوية، استهدفت الميليشيات المسلحة في معسكر الثامنة بداخل غريان. فيما تحدث المركز الإعلامي لغرفة عمليات «الكرامة»، التابع للجيش في بيان له، أمس، عن دفع الميليشيات رشى مالية لعناصر داخل غريان، سهلت مهملة السيطرة على المدينة.
وقال المركز إن قوات الجيش «تعاملت بمسؤولية مع مدينة غريان ووفت بوعودها. لم ندخل البيوت ولم نشن حملات اعتقال، حتى أننا لم نقم بنشر قوات كبيرة في المنطقة، كما جرت العادة باعتبار أننا وسط أهلنا».
بدوره، اعتبر اللواء أحمد المسماري، الناطق العسكري باسم «الجيش الوطني»، في مؤتمر صحافي، عقده مساء أول من أمس في بنغازي، أن معركة غريان «بدأت على (فيسبوك) قبل أن تنتقل إلى أرض الواقع»، لافتا إلى «خلايا نائمة أمنت تقدم الميليشيات لمواقع على أطراف غريان».
وأقر المسماري بأنّ قوات حكومة «الوفاق» سيطرت على أجزاء من مدينة غريان، من دون أن يقرّ بخسارة المدينة بأكملها، وقال إن «بعض الخلايا النائمة قامت بمحاولة زعزعة الأمن في جبل غريان، وأمّنت تقدّم المجموعات الإرهابية»، مؤكّداً بأنّ «الموقف تحت السيطرة».
في المقابل، أفاد شهود بأن قوات موالية لحكومة السراج سيطرت على غرفة العمليات الرئيسية لـ«الجيش الوطني»، الذي غادر البلدة بحلول مساء أول من أمس. وأعلن المجلس الرئاسي لحكومة السراج في بيان أن غريان «تحررت بالكامل»، واعتبرها «بداية البشائر لإحباط محاولة الانقلاب للاستيلاء على السلطة، وإعادة البلاد إلى حكم الفرد والعائلة، وإجهاض آمال الليبيين في بناء الدولة المدنية الديمقراطية».
وأعلنت عملية «بركان الغضب»، التي تشنها قوات السراج في بيان لها مساء أول من أمس، أن سلاح الجو الليبي التابع لها نفذ ثماني ضربات دقيقة، مشيرة إلى أنه تم استهداف غرفة العمليات الرئيسية لقوات «الجيش الوطني» في غريان، وتدمير عدد من المدرعات.
كما أعلنت عن إحراز قواتها تقدما في محوري اليرموك وعين زارة، وسيطرتها على تمركزات جديدة، وتدمير آليتين مسلحتين، فيما تمّ القبضُ على عشرة عناصر من الجيش.
واعتبرت العملية التي نشرت أمس، صورا فوتوغرافية تظهر سيطرة قواتها خلال عملية تحرير غريان على ثلاث طائرات مسيّرة، أن «التخطيط لعملية بسط السيطرة على غريان استغرق أياما من الإعداد والتخطيط، ولفت الأنظار باتجاه محاور أخرى، وهو الأمر الذي سهّل إنجاز المهمّة بأقل الخسائر، وفي أقل من أربع وعشرين ساعة».
إلى ذلك، كشف «الجيش الوطني» المزيد من التفاصيل حول الطيار الأجنبي، الذي اعتقل الشهر الماضي في منطقة الهيرة، معلنا على لسان المسماري، الناطق الرسمي باسمه، أنه طيار يحمل الجنسية الأميركية من ولاية فلوريدا، وأوضح أنه تم تجنيده ونقله من أميركا إلى مصراتة في غرب ليبيا عبر تركيا.
وقال المسماري إن الطيار الأميركي اعترف بالأهداف التي استهدفها، وهي طرق وجسور وخدمات عامة، كما اعترف بأنه طلب منه استهداف تجمعات سكانية وأهداف أخرى لكنه امتنع عن ذلك، وتابع موضحا «حصلنا على طريقة تجنيد الطيار المرتزق الأميركي، وتحصله على أموال من حكومة السراج».
وفيما يمكن اعتباره بمثابة مبادرة سياسية جديدة، قال المسماري إن «الجيش الوطني» يدعو، عقب تحرير طرابلس، إلى حوار وطني سينتهي بتشكيل حكومة كفاءات تدير شؤون البلاد، يتم من خلال تحدد تاريخ إجراء الانتخابات.
وبعدما دعا بعثة الأمم المتحدة للمشاركة في هذا الحوار، رأى المسماري أن المصالحة الوطنية لن يشارك فيها المتطرفون ومن ارتكبوا الجرائم.
معتبرا أن أي مصالحة «لن تنجح في ظل سيطرت الميليشيات، والقيادة العامة تتعهد للشعب الليبي بحماية النظام الدستوري الديمقراطي». مشددا على أن معركة «طوفان الكرامة» معركة وطنية مقدسة، ولن تتوقف حتى تطهير البلاد من الإرهاب والفساد والميليشيات... نحن نعرف جيدا عدونا الذي يقاتل الآن في طرابلس.
محمود جبريل: لا حل للأزمة الليبية إلا باستيعاب الجميع
رئيس «تحالف القوى الوطنية» قال إن ما يحدث في ليبيا «حرب بالوكالة» بين قوى تتصارع على مصالحها
القاهرة: «الشرق الأوسط»
لا يزال رئيس «تحالف القوى الوطنية» الليبي محمود جبريل، يأمل أن يعلو صوت العقل على صوت المدافع والرصاص، وأن تتغلب مصلحة الوطن على غيرها من المصالح والأهداف حتى تعبر ليبيا إلى بر الأمان، مشدداً في هذا الإطار على أن الحل في ليبيا لن ينجح إلا باستيعاب الجميع.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، أمس، قال جبريل: «نحن لا ندعم أي طرف على حساب الآخر... بل نطالب طرفي الصراع بأن يسألا نفسيهما عن السر وراء مسارعة قوى ودول إقليمية وغربية لدعمهما»، مضيفاً أن «ما يحدث الآن هو حرب بالوكالة بامتياز بين تلك القوى والدول... إنهم يتصارعون على مصالحهم ببلادنا، ومكمن الخوف لدينا هو تصاعد الوضع، وتحوله لمواجهة مباشرة مسلحة بينهم على أراضينا، وحينها لن نكون بعيدين أبداً عن سيناريو التقسيم، وحينها أيضاً سنخسر ليبيا كوطن».
وكان «تحالف القوى الوطنية» الليبي، قد أطلق مؤخراً، بالمشاركة والتشاور مع قوى سياسية وشخصيات وطنية ليبية، مبادرة تهدف إلى إيقاف الاقتتال الراهن بالعاصمة طرابلس، والدعوة لاستئناف العملية السياسية. وتقترح هذه المبادرة عدة خطوات، «تبدأ بخلق منطقة عازلة في مناطق القتال بطرابلس، وتنتهي بعقد ملتقى جامع يتم التوافق فيه على وثيقة شاملة لتكون بمثابة برنامج عمل لحكومة تأسيسية، تمهد لإجراء الانتخابات».
واعتبر جبريل أن «تناقض المواقف الأوروبية، وتحديداً مواقف الدول صاحبة التأثير المباشر على طرفي الصراع، كفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وغيرهم، إزاء مبادرة تحالفه، تعزز قناعته بأن هناك من لا يريد إنهاء الصراع». وشدد بهذا الخصوص على أهمية أن تتضمن أي دعوة للحوار «الأطراف التي تمتلك قوة على الأرض، من سياسيين وعسكريين ورجال قبائل، والأهم قادة الميليشيات، الذين لم يتم استيعابهم من قبل في أي عملية سياسية، رغم أنهم هم من يمتلك القوة الفعلية».
يقول جبريل موضحاً: «لقد تقابل حفتر والسراج في أكثر من عاصمة، لكن الصراع عاد مجدداً. وبالتالي فإن الحل هو استيعاب الجميع ومراعاة حقوقهم وطمأنة مخاوفهم. فكثير من عناصر الميليشيات تريد فعلاً إلقاء السلاح. لكنها تتخوف من ملاحقتها قضائياً. وهناك عناصر أخرى اتخذت من حمل السلاح مصدراً للرزق في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية. فلماذا إذن لا نقدم عفواً عاماً يشمل الجميع، مع عدم إسقاط حق ولي الدم، وتعويض المتضررين؟ ولماذا لا نضمن حق الجميع في تقاسم عادل للثروات؟».
وأضاف جبريل مستدركاً: «بالطبع هناك أطراف ليبية سترفض السلم لنجاحها في استثمار الفوضى التي نجمت عن حالة الانقسام السياسي... كتجار الهجرة غير الشرعية أو لوبيات الفساد وغيرهم... لكن متى اتفقت القوى الحقيقية سيتحول هؤلاء تدريجياً إلى أقلية يسهل حصارها؟».
ورغم إقراره بوجود تحديات جمة أمام استجابة طرفي الصراع للمبادرة، فقد عاد جبريل ليؤكد وجود أوراق ضغط يمكن اللجوء إليها بقوله: «سنضع مصداقية الرجلين (السراج وحفتر) على المحكّ أمام الشعب، فيما يتعلق بتصريحاتهما المتكررة بمحاربة الإرهاب... ذلك أن المبادرة تقترح تشكيل قوة مشتركة من عناصرهما لمحاربة الجماعات الإرهابية، وهذا في حد ذاته هدف مشترك ربما يؤدي إلى توحيد المؤسسة العسكرية في المستقبل».
مضيفاً: «سنضع مصداقية قيادات الدول الغربية أيضاً على المحك أمام شعوبهم، بإثارة التساؤلات حول جدوى خياراتهم بدعم هذا الطرف أو ذاك».
في سياق ذلك، أعرب رئيس المكتب التنفيذي (الحكومة) الأسبق في ليبيا عن تخوفه من أن دول الجوار ستكون في طليعة الدول المتضررة، وقال موضحاً: «الجميع لا يفكر في مصير تلك الترسانة المليونية من السلاح الموجودة بحوزة أطراف الصراع. فإلى أين ستتجه لو توقف القتال اليوم؟ وإلى أين ستتجه الخلايا والمجموعات الإرهابية التي قَدِمت إلينا من سوريا والعراق ومن دول أفريقيا؟ ليبيا قد تكون بالنسبة إليهم مجرد مقر مؤقت أو دولة عبور لكن دول الجوار وتحديداً مصر وباقي دول الإقليم الكبرى هي الرأس المطلوب استهدافه، ولذا ندعوهم لدعمٍ أكبر لحوار ليبي - ليبي».
وبخصوص الدورين التركي والقطري في مساندة ودعم حكومة الوفاق والميليشيات المتحالفة معها بالسلاح، أكد جبريل أن «الدور التركي بات واضحاً للجميع جراء مصالح اقتصادية، فضلاً عن أهداف أخرى. أما الدور القطري فأصبح خافتاً مقارنةً بالتركي، وبما كان عليه داخل ليبيا خلال الأعوام الماضية».
وحول التهم الموجهة إلى السراج وحكومته برعاية جماعات إرهابية، والسماح لعناصرها بالقتال ضمن صفوفهم، قال جبريل: «هذا الحديث يحمل جانباً من الصحة، ولكن من الخطأ تصنيف كل الميليشيات المسلحة بكونها ميليشيات إرهابية. الحقيقة هي أن في المدينتين ميليشيات عديدة تعد نفسها الممثل الحقيقي لثورة 17 فبراير (شباط)، وقد حملت السلاح وحاربت الإرهاب... وكانت ميليشيات العاصمة قد عملت فعلياً قبل فترة على طرد أغلب الميليشيات الإرهابية، ولكن من أجل محاربة حفتر تم السماح بعودة هذه الميليشيات إلى العاصمة».
واستنكر جبريل الأصوات التي تحاول تفسير حديثه على أنها محاولة للتأليب على الجيش، أو قائده حفتر في إطار المنافسة على الزعامة بالمستقبل، وقال: «كنا من أبرز الداعمين للجيش الوطني في بداية انطلاق معركة الكرامة، ونطمح لتطويره إلى جيش عصري يدافع عن سيادة ليبيا ويحمي دستورها. لكننا نخشى أن يؤدي خطأٌ ما لتدميره عبر تدخل خارجي مسلح أو عبر تشويه صورته، واتهامه بجرائم حرب ضد إخوة له بالوطن».
واستطرد موضحاً: «حفتر بذل مجهودات كبيرة جداً في التصدي للإرهاب، وتحديداً في بنغازي حين كانت المدينة مدمَّرة والاغتيالات في كل مكان، وبالتالي لا أحد يستطيع إغفال حقه. كل ما نقوله هو أن الجيش كمؤسسة وطنية يجب ألا يُختزل في شخص المشير... ودعوتنا خالصة لله، ولا هدف لها سوى حقن الدماء».
أما فيما يتعلق بالمبعوث الأممي غسان سلامة، فيرى جبريل أن عدم فهم الليبيين لطبيعة عمل الأمم المتحدة، ونظرتها إلى كل أطراف المعركة على أنها أطراف متصارعة، دون التركيز على قضية الشرعية مثلما يفعل الليبيون، هو ما أدى إلى اتهام الرجل بعدم الحيادية. |
| |
|