من تونس الى مصر أفاق مارد الشارع العربي فجأة. وبين تونس ومصر كانت للجيل الجديد الكلمة والدور الاكبر في كسر حاجز الخوف من السلطة البوليسية. وكانت المعادلة مزيجا من النفس الثوري الشبابي، والعصرنة التقنية، والسرعة في مواجهة ادوات البوليسية الرسمية. هكذا سقط نظام الرئيس بن علي، وحصلت الصدمة المصرية التغييرية بما كسر حالة التبلد التي عادة ما تصيب شعوبا يطول بها العيش تحت نير الديكتاتورية. هكذا صار في اوروبا الشرقية، من بولونيا ثم المانيا الشرقية حيث قامت شعوب قيل انها خانعة ومسلوبة الارادة، ومحاصرة بالبوليس والمخابرات، وعاجزة بالخوف المستشري، وقلبت الواقع.
في تونس احرق محمد البوعزيزي جسده ردا على صفعة، فأفاقت تونس بعد اقل من اربعة اسابيع على واقع جديد. وفي مصر تحولت مجموعة احتجاجات متفرقة الى يوم غضب عارم، فثورة شبابية في 25 كانون الثاني سحبت معها كل الشرائح النائمة من الشعب، ففرضت "اصلاحات" على المعادلة المصرية القائمة عمليا منذ ثورة يوليو 1952 بسرعة قياسية، وان لم تسقط كل النظام لاسباب اهمها ان فكرة الدولة في مصر متجذرة بما هو ابعد من حالة الرئيس مبارك ومحيطه، وبما هو اكثر قوة من الحزب الحاكم. فالدولة التي نتحدث عنها عمرها من الناحية العملية اكثر من قرنين. ولكن الاكيد ان طبيعة النظام في مصر ستتغير كيفما اتجهت الامور. فمصر لن تكون كما كانت قبل 25 كانون الثاني 2011. الا ان ذاك لا يعني العودة الى الحقبة الناصرية التي تعتبر الاب الشرعي لكل من "الساداتية" و"المباركية" مع الاعتراف بالكثير من الفوارق.
لقد دفنت الانتفاضتان نزعة التوريث التي اصابت الرؤساء العرب. فمن اليمن، الى ليبيا، يمكن القول ان سقوط التوريث في مصر اسقط التوريث في كل العالم العربي. وحده التوريث في سوريا مر بمباركة عربية – غربية، لكنه يبقى معرضا مع استمرار آليات الحكم الاستبدادية كما كانت مدى العقود الثلاث المنصرمة. وفي مكان آخر اجبرت الموجة الجديدة الحكام على التفكير مليا في إجراء اصلاحات جدية او اطلاق وعود بإجرائها سريعا. في الاردن سقطت حكومة، وفي سوريا قال الرئيس السوري بشار الاسد ان سنة 2011 ستشهد اصلاحات عدة في الاقتصاد والاجتماع.
ان عصر التغيير في العالم العربي انطلق من تونس ومصر، ويجب ان يكمل مساره ليشمل كل الوطن العربي. والشعارات التي تتذرع بالصراع العربي – الاسرائيلي ما عادت تكفي لوأد الحراك المطلبي الداخلي. فمطلب الحرية عام وشامل ولم يتغير. ومطلب المحاسبة ومحاربة الفساد ايضا. وفي الخانة ذاتها يمكن ادراج الحد من الفوارق الاجتماعية الفاضحة.
هذه مطالب عربية شاملة لا تقف عند حدود تونس ومصر بل تتعداها الى كل بقعة من بقاع الوطن العربي. من هذا المنطلق تتميز انتفاضتا تونس ومصر، بصرف النظر عن الفوارق بينهما، بأنهما حركتا هذه المياه العربية الراكدة منذ اربعين عاما او ما يزيد. والامل ان تستمر في قض مضاجع الحكام. المطلوب كسر حاجز الخوف في كل مكان. لأن وحده الخوف يعادل الموت. اما قتل الخوف فهو الحياة نفسها. في ايام كهذه يشعر العربي من الخليج الى المحيط بأنه عربي فعلا!
|