الاثنين 7 شباط 2011
النقائض تستدعي نقائضها، أو أنّ هذا صحيح نظريًّا على الأقلّ. الأنظمة الإقطاعيّة تأتي بالحركات الفلاّحيّة إلى الواجهة، وأنظمة ملاّكي الصناعة تستحضر حركات عمّاليّة. وبالمعنى نفسه، فالأنظمة الشائخة تطلق حركات شابّة.
الشبيبة في تونس هتفت "نحن الحلّ"، وانتقل هذا الهتاف ليصير أغنية "راب" هناك. وليس خافياً أنّ هذا الشعار يساجل ضمناً مع شعار حزبيّ وإيديولوجيّ شهير.
فالشاب – الفرد في تونس، وفي مصر، يستردّ كرامته من النظم الشائخة ومن الإيديولوجيّات الشائخة أيضاً. لهذا ضمر دور تلك الإيديولوجيّات وضمر دور أحزابها في الانتفاضتين، وتُرك لوسائل الاتّصال المعولم (إنترنت، فايس بوك، تويتر) أن تلعب الدور الذي كانت تلعبه الأحزاب قديماً. هكذا رأينا الإخوان المسلمين في مصر ينأون بأنفسهم عن الصدارة السياسيّة للانتفاضة، كما سمعنا زعيمهم في تونس راشد الغنّوشي يعلن أنّ الشريعة ليست مطروحة على أجندة التونسيّين.
والحضور المركزيّ للشباب هو ما تجلوه، من ناحية أخرى، حقيقة التحوّل الديموغرافيّ الهائل والتوسّع الهيوليّ للمدن في العقود الثلاثة الأخيرة. يكفي القول إنّ ما بين ثلثي سكّان مجتمعاتنا وثلاثة أرباعها تقلّ أعمارهم عن الـ25. لقد سمّى أحدهم منطقة الشرق الأوسط "حديقة أطفال" للسبب هذا.
هؤلاء يريدون العمل بالطبع، لكنّهم يريدون الكرامة أيضاً. وفي مجتمعاتنا وثقافاتنا المتخلّفة يتقاطع الاثنان لأنّ مفهوم "العمل" لا يزال أقرب إلى مفهوم "الإحسان": من وفّر فرصة عمل للآخر استحوذ عليه وربّما استعبده.
وهؤلاء الشبّان صاروا ما صاروه ليس بسبب العداء للغرب، بل بسبب التأثّر بالغرب: ففضلاً عن المصدر الغربيّ لأدوات تواصلهم، أعطتهم العولمة مجالات أكبر وأوفر للتعرّف على ما يجري في المجتمعات المتقدّمة وكيف يعيش شبابها وكيف يستمتعون بأوقات فراغهم وأيّة أغانٍ يغنّون... وفي تونس تحديداً، لعب القرب من أوروبا وانتشار التعليم الحديث وتبلور طبقة وسطى عريضة وحريّات النساء المكتسبة منذ بورقيبة دوراً مهمًّا في التحوّل. وأغلب الظنّ أنّ الموقف المتقدّم الذي وقفته إدارة أوباما من مصر ستساعد في دفع الاتّجاه التقدّميّ المذكور.
هذا، بالطبع، لا يلغي وجود بؤر معادية للغرب، إلاّ أنّها لم تكن الحاسمة ولم تكن الأساسيّة في الانتفاضتين.
لذلك يُستحسن بمن هم في خمسيناتهم أو ما فوق أن يكفّوا عن مصادرة جيل الشباب وتجربته الجديدة... علماً بأنّ الأمل ضعيف في ذلك. فالأجيال السابقة وإيديولوجيّاتها السابقة، القوميّة والإسلاميّة وما شاكل، سوف تمضي في محاولتها، وسوف يتواصل بحثها عن فجوات في عمليّة إنتاج البدائل للانقضاض على البديل الديموقراطيّ الشاب.
هذا ربّما شكّل الآن المعنى الأهمّ للحظة العربيّة الراهنة: كيف الدفاع عن كرامة الشباب وعن حقّهم في امتلاك المبادرة وقدرتهم على ذلك!
|