رغم الصدمة التي انتابت الشارع السياسي المصري عقب ترشيح جماعة «الإخوان المسلمين» المهندس خيرت الشاطر في انتخابات الرئاسة، فإن هناك ملاحظة إيجابية ارتبطت بهذا الأمر وتتمثل في تراجع ملحوظ للتيار المحافظ داخل الجماعة. فمع أن الشاطر هو أحد أبرز رموز هذا التيار، إلا أن السجال العنيف داخل أروقة مجلس شورى الجماعة في شأن ترشيحه للرئاسة يؤكد تلك الملاحظة. إذ إن رغبة هؤلاء المحافظين في ترشيح الشاطر جوبهت برفض عنيف داخل المجلس إلى أن حسمت بموافقة 56 عضواً مقابل رفض 54 آخرين.
وتلك هي المرة الأولى في تاريخ الجماعة التي يبدو فيها التيار الإصلاحي قريباً إلى هذه الدرجة من حسم معركته في مواجهة المحافظين. فهؤلاء المحافظون شكلوا الكتلة الأساسية داخل تنظيم الإخوان منذ أواسط الستينات وحتى اندلاع ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، ومن ثم فقد بقي الخط الفكري والسياسي للجماعة في منطقة وسط ما بين «الفكر القطبي» المتشدد الذي أفرز جماعات العنف الأصولي المسلح خلال عهدي السادات ومبارك، والفكر الليبرالي المنفتح لما عرف بجيل السبعينات داخل الجماعة والذي يعد عبدالمنعم أبو الفتوح؛ مرشح الرئاسة المفصول منها، أحد أبرز قادته. فتلك الطبيعة الوسطية المحافظة لكيان الإخوان تماهت مع موقع الجماعة بعد ثورة كانون الثاني (يناير) بوصفها خياراً وسطياً للمصريين ما بين الجيش كجسم تقليدي لا يعي كيفية ممارسة السياسة، وبين القوي الثورية وحركات التغيير التي سعت إلى تمديد الحال الثورية وممارساتها الاستثنائية.
ومن ثم فإن خوف المصريين من شبح استمرار الحكم العسكري بعد الثورة ونزوعهم السيكولوجي للاستقرار وكذا رفضهم لصيغ التفكيك السائدة في الخطاب الثوري وارتفاع معدلات الفقر في أوساطهم بفعل فساد نظام مبارك، ساهم في أن يكون الخطاب الإخواني المبسط المغلف بشبكة من الخدمات الاجتماعية مقبولاً لدى عموم المصريين الذين منحوهم الغالبية النيابية.
إلا أن اللافت هنا هو أن النجاح الذي حققه الإخوان انطلاقاً من تلك الأرضية المحافظة كان نجاحاً زائفاً، فتركيزهم على الجانب الاجتماعي والانتخابي وإحجامهم بالمقابل عن فكرة الصدام مع العسكر وضعهم في مأزق أمام تلك الجماهير. فعجز برلمان الغالبية الإخوانية عن تلبية مطالب تلك الجماهير حدث كنتيجة حتمية لقبول الإخوان للأطر المؤسسية الهشة التي وضعها العسكر لإتمام عملية التحول الديموقراطي والتي فرغت المؤسسة البرلمانية من مضمونها ودورها الحقيقيين كسلطة للتشريع ورقابة الحكومة، ودفع ذلك الإخوان للصدام مع العسكر في محاولة لانتزاع السلطة التنفيذية عبر إقالة حكومة الجنزوري وتشكيل حكومة من غالبية البرلمان ومناورة العسكر كذلك بطرح مرشح رئاسي.
إلا أن هذا المنحى وضع الإخوان في مواجهة الجماهير، إذ إنهم تراجعوا عن تعهدهم المعلن لها بعدم طرح مرشح للرئاسة من داخل الجماعة، ما دفع العديد من كوادر الجماعة إلى رفض فكرة ترشيح الشاطر للرئاسة داخل مجلس الشورى، بل والاستقالة منها احتجاجاً على إقدام التيار المحافظ على تلك الخطوة، لا سيما أن معظم الإصلاحيين داخل الجماعة كانوا يراهنون على ثورة كانون الثاني (يناير) باعتبارها متغيراً أساسياً يمكن أن يساهم في إكساب سلوك الجماعة مزيداً من الشفافية والديموقراطية في اتخاذ القرار وكذلك مزيداً من الانفتاح على باقي التيارات الفكرية والسياسية، ما يمكن الجميع من بناء توافق وطني واسع في شأن كثير من الإشكاليات. إلا أن الجماعة سلكت سلوكاً عكسياً اتضح في تشكيلة الجمعية التأسيسية للدستور التي غلّبت فيها ما هو أيديولوجي على حساب ما هو وطني ومهني باستبعادها كثيراً من الكفاءات القانونية والسياسية لمجرد انتمائها للتيار العلماني.
كما اتضح في سياسة الكيل بمكيالين داخل صفوف الجماعة التي عاقبت عبد المنعم أبو الفتوح بالفصل لمجرد إعلانه رغبته في الترشح للرئاسة، ثم عادت ودعمت خيرت الشاطر للترشح للمنصب ذاته، وهو ما يعني أن سلوك الجماعة بعد الثورة ما زال يكرس مبدأي غياب العدالة وقمع المخالفين في الرأي وتهميشهم واستبعادهم. وهو ما ينذر بمزيد من الفشل السياسي، ومن ثم مزيد من التراجع للتيار المحافظ داخل جماعة الإخوان.
* كاتب مصري |