تتنابذ في المشهد السوري منذ أكثر من عام أزمنة ثلاثة، ويمكن لمراقب الإعلام والفايسبوك واليوتيوب أن يسافر عبرها بصرياً ولغوياً، كما يمكن لمواطن سوري أن يعيشها جسدياً إن وقع بقبضة المخلوقات "الشبّيحة". الزمن الأوّل هو زمن القرن الواحد والعشرين بكل ما فيه من إيقاع، وبكل ما اكتسبه مريدوه من تراكم تجارب في الشارع والساحات العامة، وما استخدموه من تكنولوجيا معلومات ووسائل تواصل واتّصال. هو زمن الثورة، وفيه توق لِولوج قيَم تنتمي الى اليوم وغده، قيَم حرية وعدالة وكرامة وعمل ونوم هانئ لا يوقظه خبط عسسٍ على أبواب المنازل. الزمن الثاني هو زمن مخيّلات لغوية تؤيّد الثورة وتشارك فيها. لكنها تفِدها من قرن آخر، من أيام خوالي. وفي مصطلحاتها مزيج من أحلام الفروسية والفتوحات وتجهيز الغزوات يدعو لها أناس يبحثون عن مستقبلهم في ماضيهم ويظنّونه صالحاً للثأر من الحاضر وتجاوز مظالمه ومهانته، أو هم يستنجدون به لاستنفار هِمم أشباههم من جيرانهم لنُصرتهم. والزمن الثالث هو زمن القرون الوسطى والانحطاط، حيث يقلّص العنف المسافة بين الزمنين الأوّلين غامراً إياهما بالدم، وجاعلاً من القول والفعل سلسلة جرائم موصوفة وحفلات تعذيب وبتر أطراف يمارسها مريدو الأسد. وكأنهم حملة فؤوس ومقطّعو رؤوس وأصابع للحصول على الخواتم وعقود الفضة وتقديمها الى "الدوق" الذي يُشترى رضاه بالغنائم وجماجم الأعداء. ... هكذا، تتصارع فوق الخارطة السورية وفضائها الافتراضي عقليات قرون متباعدة، ويحاول القروسطيون استخراج أفظع ما في ذكريات العنف والهمجية من أساليب قتل ليمارسوها بأسلحة "دولتهم" ضد خصومهم. يحاولون تجريدهم من كل زمن وتسليمهم للخوف والصمت. ففيهما ينتـفي الوقت ويصبح الفارق بين الأعوام والعقود فارقاً بيولوجياً شخصياً تشير الى مروره التجاعيدُ في المرآة وتناسل الحكّام ومواقيت توريثهم السلطة للأبناء. وهكذا أيضاً يكتشف المراقب ومعه المواطن كم من الوقت ضاع في سوريا، وكم من الجهد سيتطلّبه التخلّص من تجلّيات القرون الوسطى لاستعادة اللغة كما الممارسة والأمنيات والمشاريع، ولضبط الوقت ونقله الى حيث يُفترض أن يكون: في الحاضر المنجذب نحو مستقبله، وفي المستقبل المعتبِر من ماضيه.
|