الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ١٧, ٢٠١٢
الكاتب: زياد ماجد
المصدر: nowlebanon.com
سوريا وأزمنتها الثلاثة

تتنابذ في المشهد السوري منذ أكثر من عام أزمنة ثلاثة، ويمكن لمراقب الإعلام والفايسبوك واليوتيوب أن يسافر عبرها بصرياً ولغوياً، كما يمكن لمواطن سوري أن يعيشها جسدياً إن وقع بقبضة المخلوقات "الشبّيحة".
 
الزمن الأوّل هو زمن القرن الواحد والعشرين بكل ما فيه من إيقاع، وبكل ما اكتسبه مريدوه من تراكم تجارب في الشارع والساحات العامة، وما استخدموه من تكنولوجيا معلومات ووسائل تواصل واتّصال. هو زمن الثورة، وفيه توق لِولوج قيَم تنتمي الى اليوم وغده، قيَم حرية وعدالة وكرامة وعمل ونوم هانئ لا يوقظه خبط عسسٍ على أبواب المنازل.
 
الزمن الثاني هو زمن مخيّلات لغوية تؤيّد الثورة وتشارك فيها. لكنها تفِدها من قرن آخر، من أيام خوالي. وفي مصطلحاتها مزيج من أحلام الفروسية والفتوحات وتجهيز الغزوات يدعو لها أناس يبحثون عن مستقبلهم في ماضيهم ويظنّونه صالحاً للثأر من الحاضر وتجاوز مظالمه ومهانته، أو هم يستنجدون به لاستنفار هِمم أشباههم من جيرانهم لنُصرتهم.
 
والزمن الثالث هو زمن القرون الوسطى والانحطاط، حيث يقلّص العنف المسافة بين الزمنين الأوّلين غامراً إياهما بالدم، وجاعلاً من القول والفعل سلسلة جرائم موصوفة وحفلات تعذيب وبتر أطراف يمارسها مريدو الأسد. وكأنهم حملة فؤوس ومقطّعو رؤوس وأصابع للحصول على الخواتم وعقود الفضة وتقديمها الى "الدوق" الذي يُشترى رضاه بالغنائم وجماجم الأعداء.
 
... هكذا، تتصارع فوق الخارطة السورية وفضائها الافتراضي عقليات قرون متباعدة، ويحاول القروسطيون استخراج أفظع ما في ذكريات العنف والهمجية من أساليب قتل ليمارسوها بأسلحة "دولتهم" ضد خصومهم. يحاولون تجريدهم من كل زمن وتسليمهم للخوف والصمت. ففيهما ينتـفي الوقت ويصبح الفارق بين الأعوام والعقود فارقاً بيولوجياً شخصياً تشير الى مروره التجاعيدُ في المرآة وتناسل الحكّام ومواقيت توريثهم السلطة للأبناء.
 
وهكذا أيضاً يكتشف المراقب ومعه المواطن كم من الوقت ضاع في سوريا، وكم من الجهد سيتطلّبه التخلّص من تجلّيات القرون الوسطى لاستعادة اللغة كما الممارسة والأمنيات والمشاريع، ولضبط الوقت ونقله الى حيث يُفترض أن يكون: في الحاضر المنجذب نحو مستقبله، وفي المستقبل المعتبِر من ماضيه.

 



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
إقرأ أيضا للكاتب
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
فلسطين العصيّة على الممانعة والتطبيع
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
عن بكركي والمعارضات اللبنانية
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة