الجمعه ٢٩ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٣, ٢٠١٢
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
"الإخوان" والاستحواذ الكامل على الوطن - سعد الدين ابراهيم

لمناسبة ما أثير اخيرا من جدل حول استئثار الإخوان بغالبية مقاعد مجلسي الشعب والشورى، ثم قيام الجماعة باختيار أغلبية أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستضع دستوراً للبلاد، من أعضائها انفسهم، تذكرت حديثين طويلين مع من يعرفون جماعة الإخوان جيداً.

 

هما بمثابة شهادتين تفسران ما حدث، وما يمكن أن يحدث من سلوك سياسي لحزب "الحرية والعدالة"، الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين. وفحوى التفسير هو أن الجماعة تستبطن "نرجسية" تجعلها، لا فقط تعتبر نفسها الأحق بكل شيء في الدنيا بل في الآخرة أيضاً، الى درجة عبادة "ذاتها" من دون الله والوطن. ولولا معرفتي الوثيقة بأصحاب الشهادتين، لشككت في صدقيتهم حينما سمعت منهم هذا التأكيد. كانت الشهادة الأولى من المُفكر الإسلامي الكبير جمال البنا، شقيق الراحل حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. وكانت المناسبة منذ حوالي رُبع قرن حينما دعوت الرجل لعضوية مجلس أمناء مركز ابن خلدون. فقد كان هناك حرص من العاملين في المركز على أن يُمثل مجلس الأمناء كل ألوان الطيف الفكري والسياسي من الفكر الروحي إلى الفكر المادي، ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.


وحينما عبّرت عن هذا الخاطر للأستاذ جمال البنا، بادرني بأنه "إسلامي"، ولكنه غير "إخواني". ولما سألت عن سبب عزوفه عن الانضمام للإخوان المسلمين، وهو الذي يُحب أخاه الأكبر، ويُجله إجلالاً عظيماً؟ بادرني الرجل بعبارة أخرى، أشبه بما قاله "بروتس"، عضو مجلس شيوخ روما، وكان هو الأقرب لقيصر: نعم، أحبك يا عزيزي قيصر، ولكني أحب روما أكثر. إذ قال جمال البنا "نعم، كنت أحب شقيقي الأكبر كثيراً، فقد كان أكثر من شقيق... لقد كان مُعلماً، وأباً. وكانت إحدى القيم التي غرسها فينا هي قيمة "الحُرية"، كمصدر لكل القيم والمبادئ الأخرى".


ثم أردف جمال البنا، أنه اكتشف مُبكراً أن "السمع والطاعة"، هو المبدأ الحاكم في جماعة الإخوان المسلمين، وأن ذلك يتعارض مع قيمة "الحُرية"، التي جعلها الله، عز وجل، هي أساس الإيمان به - "فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر". ثم راقب الرجل عن كثب كيف تُدار شؤون الجماعة، وكيف يتخذ القرار، وكيف يتم تنفيذه. وخلص إلى أن الجماعة لا تختلف تنظيمياً عن "الحزب الشيوعي"، كما تصوره وطبّقه لينين، رئيس أول وزراء في روسيا البلشفية (1918-1924). ولهذا السبب لم ينضم جمال البنا إلى الجماعة، التي أسسها شقيقه!


أما الشهادة الثانية، فقد جاءت من رفاق السجن، من الإسلاميين. وفي السجون، كما في الحروب، وكما في سنوات الدراسة، تنشأ رابطة وثيقة برفاق السجن، حتى لو جاؤوا من خلفيات فكرية وطبقية مختلفة تماماً، وفي السجون بعد فترة التكدير والتعذيب والامتهان الأولى، أو ربما بسببها، تنشأ بين الضحايا الفة، تكشف عن معادن البشر، وتتحول هذه الالفة تدريجياً إلى "عُروة وثقى". لذلك رغم "علمانيتي"، توثقت علاقتي بالعديد من الإسلاميين- تكفيريين، وجهاديين، و"إخوان مسلمين". وظل هؤلاء جميعاً على علاقات ودودة معي، على مر السنوات بعد الخروج من السجن.


وجاء عدد منهم لزيارتي فى آخر عيد أضحى. وضمن ما تحدثنا فيه رغبة الجهاديين منهم الانخراط في الحياة العامة، والمُشاركة السياسية النشطة. ولما اقترحت عليهم الانضمام إلى حزب "الحُرية والعدالة" التابع للإخوان المسلمين، ردوا جميعاً بالعبارة نفسها: "أعوذ بالله". وأبديت دهشتي قائلاً: أليس هذا الحزب هو الأقرب إلى مُعتقداتكم وتوجهاتكم؟
ردوا عليّ، بشيء قريب جداً مما كان قد قاله لي الأستاذ جمال البنا منذ سنوات عدة، مع تفصيلات أخرى مريرة، من واقع مُعاملاتهم المُباشرة مع الإخوان.


من ذلك أن الإخوان، رغم أن أحد شعاراتهم التي يتغنون بها، هو أن "الجهاد في سبيل الله أغلى أمانينا" فإنهم منذ حرب فلسطين الأولى (1948/1949) لم يُشاركوا في أي "جهاد" - لا في أفغانستان، ولا في العراق، ولا في البوسنة، ولا في ألبانيا- رغم أن هذه البُلدان الإسلامية شهدت صراعات مُمتدة لسنوات طويلة.
ومن ذلك أنهم رغم ثرواتهم الطائلة، لم يقوموا أبداً بنجدة أي جماعة إسلامية في محنة أو ضيق. ولا أذكر حالة واحدة فعلوا معها ذلك في داخل مصر أو خارجها!


وخُلاصة ما قاله الجهاديون إن ولاء الجماعة هو للجماعة، وللجماعة فقط. أي أنه قد يكون مفهوماً أن "الأقربين أولى بالمعروف"، لكنه في حالة الجماعة هم فقط المستحقون للمعروف، دون غيرهم.
وسألني أحد رفاق السجن من الإسلاميين: هل شاركت أي عضو من الإخوان المسلمين حتى في إفطار رمضان، وقد مر عليك ثلاثة رمضانات؟ وللأسف كان السائل على حق. أي أنه رغم معرفتي بعدد كبير من الإخوان في السجن، إلا أنهم لم يتبادلوا العطاء، لا معي ولا مع غيري من رفاق السجن من غير الإخوان.


وكان الأخطر في حديث "الجهاديين"، هو أن الإخوان لا يكتفون أبداً حتى بنصيب الأسد، ولكنهم يحرصون على الاستحواذ الكامل، كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. لذلك، فالأمر لن يتوقف على ما فعلوه في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. إن ذلك مُجرد "مؤشر" مُبكر على نزعتهم الاستحواذية، والتي ستمتد إلى الاقتصاد والثقافة. فكل مفاتيح الاستيراد والتصدير، والتوزيع، والعطاءات، والمُقاولات ستكون في أيديهم. ولن يتركوا لغيرهم إلا الفتات.


فإذا كان كل، أو حتى بعض من ذلك صحيحاً، فليس أمام شعبنا المصري، من غير الإخوان، إلا إحدى استجابتين: الاستسلام لقضاء الله والإخوان، أو الاستعداد لثورة ثانية، لتحرير مصر من جبروت الإخوان المسلمين.


"المصري اليوم"



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة