الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ٢٦, ٢٠١٢
المصدر: موقع الحوار المتمدن
شىء سماه العرب ربيعاً - نادين البدير

أقف بين نيران الثورة واستبدادية الوطن. لا أكتب ما يطمئن الحكومات. أنا من هواة استفزاز الأنظمة. مقتنعة بأن من مهام المواطن إبقاء النظام فى حالة قلق. لكنى لا أتمكن من إخفاء مشاعرى أو كتابة شىء أنافق به الشعوب لمجرد أن الثورة ضد الأنظمة.

من الأهم: حريتى أم وطنى؟

 

لم أطرح فى حياتى تساؤلاً أقارن به حريتى بأى شىء، فالحرية منتصرة سلفاً على الحياة نفسها. ومهما أنفقت لأجلها من أثمان لم أندم، فهل للحرية ثمن فى الأصل؟

لكن وطنى نقطة ضعفى الوحيدة الكبيرة.

أعيد السؤال: حريتى أم وطنى؟

أن أعيش حرة أم أن يحيا وطنى؟

 

أختار بين نيران التفكك التى أحدثها مفعول الديمقراطية (المتقدمة)، وحدود وطنى المنيعة وسط استبداد أو حتى فساد.

خيارات عربية معقدة، ولست محظوظة لأنى أطرحها خيارات جلبها ما سميناه جميعا ربيع العرب. هل أسمع اليوم من يحكى عن التقسيم؟ وهل المتهم إسرائيل أم الغرب؟

أذناى لا تسمعان سوى عدد من مواطنى الداخل يثرثرون بتغيير الحدود وإعادة رسمها من جديد.

 

أكانت ثورات أم خيانات؟ من يهدد دولته بالتقسيم؟ من يهدد نفسه بالانتحار؟

أهالى برقة يريدون الانفصال. أهالى برقة أصابتهم لوثة. لم تكن ثورة ضد الأنظمة إذن بل ضد الأوطان. الآن، وجهوا اتهامكم المعتاد للأنظمة بأنها سبب كراهيتكم للأوطان.

وأكسجين الثورات العربية الذى تنفسناه. كان وهماً؟ وكل الأمانى التى منينا النفس بها. كانت تشخيص مريض للأمور؟ تشخيص غريق؟ وربيعاً ظننا أنه عاد إلينا قبل سنة لم يكن بحقيقته أكثر من فصل غائم مكفهر مغبر باق منذ سنة.

 

ليست سوى البداية. هذه كلمة كل من يسمع تأففاً أو تذمراً. يتفاءل بأن الوقت مازال فى بدايته، وأن كل ما يحدث فترة أولية طبيعية تلى أى ثورة.

 

هل من الطبيعى إذن أن نحكى عن كونفيدراليات وفيدراليات؟ إن كان الجواب نعم فأدعو ألا تصل الثورات الربيعية البراقة لبلدى، لأنى سأذبح من يحكى عن تقسيمه قبل أن ينهى جملته. الثورات العربية لم تلقن الحكومات دروساً قاسية بل لقنتنا نحن أقسى الدروس. أولها التوقف عن تبعية العواطف. كان مأمولاً أن يكون الربيع العربى ربيع حرية، لكن الفصل الخائن أتى بحكومات لم تناضل يوماً إلا لحرية تنظيمها الدولى. الربيع العربى جلب لبرلمانات الثورة نواباً لا يؤمنون بالحريات على جميع أنواعها، وليس تغاضيهم عن الحريات السياسية اليوم سوى لضمان استحواذهم على شىء من التركة، فقد سئموا حياة التخفى والاختباء الربيع ولد أنظمة تريد سحق كل تقدم مر من هنا. أقسى من ذلك. الربيع أتى بحكومات لا تؤمن بحدود أوطاننا، بل بالأممية الإسلامية، شىء أشبه بالشيوعية مازلنا نصر على أنه ربيع؟ يبدو أننا نخلط بين فصل الربيع وفصل تساقط الأوراق.

 

قبل أيام سهرت أتابع إحدى القنوات. كان لقاء عن تونس بعد الثورة دار بين سيدة من المجلس التأسيسى ورجل معارض ومشاركة جمهور من الشباب والشابات، احتدم النقاش. المعارض يؤكد الردة الحضارية التى تصيب تونس، فالمتشددون يضايقون الناس فى حياتهم اليومية، هو صيدلى ويروى تهديدات تصل للصيادلة، رجال التطرف يداهمون الصيدليات ويقسمون للعاملين بها أنه إن لم يتم نزع إعلان دواء يحمل صورة رجل عارى الصدر «فسنفجر الصيدلية فى غضون نصف ساعة»، لاحظوا أن المكان المستهدف صيدلية وليس ملهى ليلياً، وأن الصورة تابعة لشركة أدوية طبية وليست صورة راقصة عرى بأفيش لفيلم بورنو.. السيدة تحتد بالصراخ وتؤكد أن الحريات محفوظة فى ظل الحكومات الإسلامية الجديدة، الشباب والشابات يتأففون ويتسابقون لإثبات أن القمع باطراد حتى بروفيسورات جامعاتهم يتعرضون للإهانة أمامهم لمختلف الأسباب، منها الاختلاط والحكومة تعرف عن هذا السقوط الحضارى والفكرى لكنها تغض الطرف.

 

مقدم البرنامج يسألهم: هل تتمنون عودة زين العابدين بن على؟ أرفض معرفة الإجابة. لكنى أستمر بالمشاهدة. لم لم أتفاجأ من أيادى شباب وشابات تلوح فى الهواء تطالب بعودة «بن على»؟

تعلق السيدة: أنتم لا تمثلون البقية، تجيبها الحاضرات: ليس هناك إحصائية لكننا نعرف أن أعداداً كبيرة منا تتمنى عودة «بن على»، فالحريات تتضاءل تدريجيا. إذن هو فصل تساقط الأوراق. فصل تساقط الحريات.

 

وحين أتخيل أن المدعو (ربيع) يصيب بلادى (لا قدر الله) التى تفتقد الحريات الاجتماعية والسياسية والفنون والسينما وحرية الحركة والإبداع وتملؤها الرقابة، فما الذى سيسحقه الربيع؟ أتصور أن يتم إعدام الشعب بالشوارع خوفاً من ارتكاب الخطايا ودرءاً للمعاصى المحتملة.

 

يعود المتفائل لمحاولة إقناعى بأن الأمر سيتطلب سنوات، وأن الشعب الذى أطاح بالأنظمة السابقة سيطيح بأى نظام مستقبلى ظالم وكلها أربع أو خمس سنوات. تؤلمنى النظرة الوردية للحياة العربية. أى شعب سيتمكن من إسقاط الصاعدين اليوم؟ رأيناهم فى مصر يثورون من جديد قبل أشهر ولم يتمكنوا من مقاومة أحد.

 

رأينا الشباب تقلع أعينهم ويتعرضون لنفس ما كانوا يتعرضون له زمن الحكم السابق ولم يتمكنوا من إسقاط أحد. اتهمهم الجميع، حتى الإعلام، اتهمهم بإشاعة الفوضى والبلطجة وبأنهم شلة (صايعين ضايعين) انتسبوا لموكب الثورة. رغم أنهم أصل الثورة. فأين شباب الثورة الأصليون؟ أين اختفيتم؟ لماذا أيقظتمونا؟ ولماذا تمادينا نحن فى الحلم؟

 

لا تعذرونى واغضبوا. لكنى لا أشتم أو أرى أزهار الربيع. ليس هناك أى ربيع، بل فصل قاس.. فصل جديد خامس.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
التقرير الأميركي حول اغتيال خاشقجي يتّهم بن سلمان... والسعودية تردّ: تقييم زائف
السعودية أطلقت الناشطة لجين الهذلول
زيارة غير مسبوقة و"محادثات سرية" بين نتنياهو وبن سلمان في نيوم... إنهاء حالة العداء؟
خبيرة أمميّة تندّد بالأحكام الصادرة في قضيّة خاشقجي
العاهل السعودي يقيل اثنين من الأسرة الحاكمة في تهم فساد بوزارة الدفاع
مقالات ذات صلة
السعوديّة الجديدة: تقوية الوطنيّة وتقييد محدود للإسلام المُتشدّد؟ - سركيس نعوم
السعودية بين الـ2017 - 2018 والـ2019 - سركيس نعوم
أسوأ المجالس البلدية - علي القاسمي
الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية - حاتم الطحاوي
مناقشة في المقال الأخير لجمال الخاشقجي - جهاد الزين
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة