الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
آذار ٢١, ٢٠١٢
المصدر:
جريدة الحياة
إصلاح الشرطة مدخلاً لإصلاح السياسة في مصر - صلاح سالم
لعل أحد أكبر الأخطار التي تهدد المجتمع والنظام السياسي المصريين يتمثل في ذلك التآكل الشديد في معنويات جهاز الشرطة، وهو الأساس في ما يسمى القوة العميقة للدولة المصرية، حتى صار فاقداً للشعور بالثقة والجدارة، والقدرة على الفعل، وهو أمر يحتاج إلى وقفة لإعادة هيكلته وتأهيله نفسياً ومادياً، كي يكون صالحاً للقيام بدوره قبل انتخابات رئاسة الجمهورية والتي يفترض أن يذهب الجيش بعدها إلى ثكناته وتؤول مهمة حفظ الأمن كلياً إليه، إذ كيف يكون الحال عندها لو استمرت الشرطة عاجزة عن أداء دورها، هل يُدعى الجيش مرة أخرى لحفظ الأمن على رغم وجود نظام سياسي مدني منتخب آنذاك ما يمكن أن يفتح الباب لدور عسكري من قبل الجيش في الحياة السياسية؟
كان جهاز الشرطة المصري بمثابة الصندوق الأسود للنظام الحاكم، تحمل أعباء فشله السياسي والاقتصادي، وألقيت على كاهله مهمة التعامل مع ملفات ثقافية واجتماعية لم تكن من صميم عمله في أي من البلدان الديموقراطية، فتحمل أوزاراً كثيرة كان ممكناً له النأي عنها، ولكنه في المقابل حصل على أدوار استثنائية جعلت كل من ينتمي إليه ولو في أدنى مستوياته يظن أنه «حاكم بأمره»، فيما منحت قياداته الكبرى استثناءات لم تتصور أن تحرم منها، كان معظمها خارج على القانون ولكن تم تقنينها بالعُرف. ومع سقوط النظام السابق بدا لأعضاء هذا الجهاز أن العمل من خلال القانون لا يعدو أن يكون مصيدة كبيرة وقعوا فيها لأن أحلامهم التي قادت خطاهم إليه تبخرت، فقد حلموا بأن يكونوا سادة أحياناً، وبالثراء أحياناً أخرى، أو على الأقل تعويض ما بذله بعضهم من مال للالتحاق به. ولأن النظام السابق عاش وعمًّر كثيراً فإن أحلامهم تماهت مع الواقع، وصارت مألوف حياتهم.
بضياع هذا كله واضطرارهم للعمل في ظل شروط (عمل عادية) يتفجر داخلهم شعور طاغ بالعبث والعدمية تشي به جل سلوكياتهم منذ 28 كانون الثاني (يناير) 2011 وحتى الآن، فمع سقوط الهيبة والمكانة والعوائد الاستثنائية سقطت الرغبة في العمل، وتراجعت الدوافع إلى التضحية. وساعد على ذلك أمران أساسيان: أولهما أن القانون لا يضمن للشرطي النزيه حياة شريفة، خصوصاً الضباط الصغار الذين لا يكفيهم دخلهم (القانوني)، ولا يعوضهم عن المشاق التي يتحملونها في ما لو أدوا أدوارهم بالمهنية المطلوبة. كانت الدولة تعلم ذلك، مدركة أنهم يحصلون على ما يكفيهم ويزيد بطرقهم الخاصة، فلم تكن تعطيهم لأنها لم تكن تحاسبهم، وكان ذلك نوعاً من التواطؤ مارسته الدولة المصرية طويلاً مع كثير من شرائح المجتمع إلى درجة تبدو قاتلة، فالسلطة التي تستطيع تحقيق الانضباط وممارسة الحساب هي نفسها المسؤولة عن تقديم البدائل الاجتماعية، والفرص الاقتصادية، ومع عجزها عن تقديم تلك البدائل يكون الحل أن تلوذ بالصمت اللذيذ كشريك في حالة النفاق العام التي تسود في كل نظام مغلق، وثقافة سياسية جدباء.
وثانيهما أن الناس أخذوا في الاستئساد على رجال الشرطة، رغبة في الثأر منهم، خصوصاً لدى الفئة التي طالما عانت سلفاً من مشاعر الاحتقار والاضطهاد وسوء المعاملة، وهي فئة عريضة جداً في المجتمع المصري، أخذت تتمرد، لا فقط على رجل الشرطة بل وأيضاً على القانون الذي يجسده أو كان يجب أن يجسده، ما زاد من حدة الشعور بالمهانة النفسية لديه. وهكذا فإن عمليه إعادة تأهيل الشرطة المصرية للقيام بدورها الذي لا بديل عصري وواقعي عنه، إنما تحتاج إلى أمور ثلاثة أساسية: أولها منح رجل الشرطة ما يستحقه من عائد مالي عادل يقيم حياته على أسس سليمة على منوال غيره من المواطنين، كما يراعى طبيعة عمله الشاقة أحياناً، والخطرة أحياناً أخرى. مع ما في ذلك من ضرورة الشعور بالعدالة الداخلية، أي بين الرتب الكبيرة التي طالما اكتنزت العوائد المادية الكبيرة جداً، والصغرى التي طالما حصلت على الفتات، وهو أمر كان يجعل الجهاز منحازاً يقوم على خدمة القلة الأعلى فيه، وهو أمر كان ينسجم تماماً مع تراتبية النظام السياسي القائم على خدمة القلة من قادته الكبار والمحوريين في طبيعة عمله ونمط اشتغاله.
ثانيها، أن يتجاوز الناس تلك الحالة النفسية المعادية لرجل الشرطة، بحسبانها حالة رد فعل ربما تكون مفهومة موقتاً ولكنها لا يمكن أن تدوم لأن المجتمع يظل بحاجة إلى سلطة رجل الشرطة ولكن باعتبارها سلطة القانون، السيد الوحيد، والمرجع الأخير لجميع المواطنين باعتبارهم مواطنين وليس لأي اعتبار آخر.
ثالثاً، أن يقتنع رجل الشرطة بأن العمل من خلال القانون هو أفضل من العمل خارجه، ليس فقط لأن تمثيل القانون واحترامه يمنحهم الهيبة ذاتها التي كانت لهم بالفعل وهم يستغلونه، بل لأنه يضمن لهم استمرار تلك الهيبة طالما استمروا في حسن تمثيلها ولم ينحرفوا عن أعرافها، فالشرطي القانوني أقوى ليس فقط في مواجهة المنحرفين والخارجين على القانون بل هو أقوى في مواجهة من كان ينحني لهم وأمامهم الشرطي غير النزيه في العصر البائد، فيما قد تؤدي سيادة القانون إلى خضوع أولئك السادة أمامه فيما لو انحرفوا، لا لشخصه بالطبع ولكن للقانون السيد الذي يحسن تمثيله.
* كاتب مصري
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة