السبت, 05 فبراير 2011
كرم سعيد *
ثلاثون عاماً في السلطة، تجربة ربما فريدة عاشها الشعب المصري مع الرئيس حسني مبارك، تحمل فيها من المحن ونال فيها قدراً أقل من المنح، تحمل فوق طاقته ولا شك، كسره الخوف والجمود، ولكن لم يتملكه اليأس. وأياً كانت النتائج فقد سجلت مصر لحظات فارقة في ساعات مشهودة ليوم تاريخي، هو 25 كانون الثاني (يناير) 2011، نجح فيها شباب مصر الجدد في كسر حواجز الخوف، وإطاحة رؤوس الفاسدين وديكتاتورية المتسلطين.
كانت أحداث 25 كانون الثاني ثورة وليس تظاهرة أو احتجاجاً صنعها شباب مصر الفتي، الذي كم حذرنا مراراً وتكراراً من انتفاضته، لكن، يبدو أن الآذان الحاكمة كانت صماء والأعين التي عليها غشاوة لم تبصر.
ما حدث يوم 25 كانون الثاني ليس كما يتصور البعض ثورة جياع أو ثورة فقراء أو ثورة سياسيين أو حتى شباب فيسبوك، مع تقديرنا الكامل لدورهم، أنها ثورة شباب يحب مصر، أناس عذبهم طول الأمد من تراجع دور مصر الدولي والإقليمي بعد أن ظلت دوماً قلب العالم وروحه. والحقيقة أن مصر فقدت دورها الحيوي بعد أن هادنت كثيراً سياسات دولية في مواقف جرحت كرامة المصريين كثيراً، وفتحت باباً للتفاوض مع يمين ويسار إسرائيلي يختلفان اسماً ويتفقان قلباً وقالباً في عقائدهم ومشاريعهم السياسية ضد مصر ومحيطها العربي.
كرس عدد من القيادات العربية تحت مزاعم التنمية والاستقرار خيار السلام مع الكيان الإسرائيلي، وعلى رغم ذلك لا تنمية صنعت ولا استقراراً حققت، وتبقى الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية التي احتلت دوماً مراتب متدنية في كل التقارير والنشرات والدوريات العالمية المهتمة مؤشراً الى تفاقم الاقتصاديات العربية، لقد ألهمت الأحداث في مصر غيرها من الدول العربية، حقاً أن بوعزيزي مفجر الأحداث التونسية كان شرارة البدء، إلا أن الشباب المصري يظل بما يحمله وبلده من خصوصية متفردة نموذجاً ملهماً، وهو ما كشفت عنه تداعيات الأحداث في غير بلد عربي.
وإذا كانت هذه الثورة المصرية بدأت كحركة احتجاج مدنية ضد نظام الرئيس مبارك ثم تحولت إلى ثورة، فهي تظل مختلفة قلباً وقالباً عما يحاول البعض ترويجه على أنها بداية لدولة دينية في الشرق الأوسط بالنظر إلى الكثافة العددية والتنظيمية لجماعة «الإخوان المسلمين» التي ضخت بدورها عدداً وعدة في الاحتجاجات، فالأمر يبدو بعيد المنال، وحقيقة الأمر أن أحداث 25 كانون الثاني كشفت عن الحجم الفعلي للقوى السياسية في مصر وفي مقدمها جماعة الإخوان المسلمين، فهم حقاً رسالة فكرية تحملها قوة تنظيمية، ولكنها ليست كما يدعي البعض تمثل القطاع العريض من الشعب، فمساحة وساحة كبيرة من المزاج العام المصري انتفضوا عن تعاطفهم مع الجماعة كما مع باقي التيارات وبعض الرموز السياسية في مصر التي قفزت على الساحة المصرية بصورة تحمل انتهازية مشينة، وعلى الأرجح أن لا تنجح القوى السياسية على رغم أن الأبواب والنوافذ باتت مفتوحة أمامها في دفع عمليات التجنيد السياسي لأفكارها ومبادئها بعد أن ظلت تشكو من تعنت النظام واحتكاره العملية السياسية.
فثورة 25 كانون الثاني لم يقدها أصحاب ربطات العنق أو الشعارات البراقة، وإنما حمل مشعلها شباب مصري واع لا ينتمي لأي تيار أو قوة سياسية مطالباً بإصلاحات اقتصادية ومجتمعية يتبعها إنهاء الانسداد السياسي لتساعد في تلبية طموحات الملايين من الشباب المصري «المتذمر»، وهو ما كشفت عنه تداعيات الموقف الشعبي عقب خطاب الرئيس مبارك عشية الأربعاء الماضي الذي أعلن فيه عن عدم نيته الترشح لولاية رئاسية جديدة إضافة إلى الشروع في إجراء تعديلات دستورية وقانونية جديدة تعيد الحراك السياسي إلى الشارع المصري، وتحرك المياه الراكدة، لقد بزغت مصر جديدة بشرعية جديدة هي «الشرعية الشبابية» الذي خرج أفواجاً ليس دفاعاً عن الرئيس مبارك أو تأييداً له بقدر ما هي حرص على عودة الكرامة المصرية، وتدعيماً لأمن مصر واستقرارها.
* كاتب مصري
|