الجمعه ٢٢ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ١١, ٢٠١٢
المصدر: جريدة الحياة
ضد التسليح: كلام حق يراد به باطل - فايز سارة
فكرة التسليح في سورية لا تقود السوريين إلا إلى مكان واحد، وهو مزيد من الدم، حيث كثير من القتلى والجرحى والمشردين، ومزيد من الدمار. وسورية التي عرفها العالم، ستتحول إلى خرائب، يتنقل بين جنباتها أصحاب الأطراف المبتورة والمشوهون وذوو الاحتياجات الخاصة، وقليل من الناس الأسوياء شكلاً والذين يعانون من آثار ما حصل، وبعض من السوريين سيبقون مدججين بالأسلحة، مهووسين بالقتل، فيما هناك آخرون هاربون منه باحثين عن أمان مفقود.
 
هذه الصورة البشعة لسورية وللسوريين، ستكون محصلة لمسار الدم الذي بدأ فصله الأول في إطلاق النار على المتظاهرين في درعا رداً على مطالبهم برد المظالم ووقف الاعتداءات على كرامتهم، ثم تطور الأمر في فصل لاحق إلى استخدام واسع للقوى الأمنية والعسكرية وجماعات الشبيحة بهدف إخضاع السوريين وإنهاء تظاهراتهم ووقف احتجاجاتهم، قبل أن ينخرط النظام في حرب شاملة على تجمعات سكانية كثيرة تحت شعار محاربة الارهابيين والجماعات المسلحة.
 
وكان من الطبيعي، وفي ظل العنف الرسمي المتصاعد، أن يذهب بعض الضحايا واليائسين والمغامرين الثائرين إلى السلاح رداً على عنف النظام وقمعه الوحشي، وساعدت في ذلك انشقاقات بعض من منتسبي الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية لأسباب إنسانية أو عقائدية أو شخصية، وتعززت هذه الاتجاهات مع الوقت ومع غياب القادة الأوائل للحراك الشعبي بسبب قتلهم أو اعتقالهم أو تهجيرهم، في وقت كان النظام ساعياً إلى عسكرة الثورة وفعالياتها، مصراً على تعزيز مبررات قمعه الدموي واستخدامه المفرط للقوة ضد المتظاهرين وحواضنهم الاجتماعية. وهكذا أخذت تتوالى تعبيرات تحول الثورة إلى صراع مسلح محدود بين النظام ومسلحين في بعض المناطق السورية، لا سيما في مدينة حمص ومحافظتها.
 
غير أن هذا التطور السلبي في ثورة السوريين، شهد تصاعداً في الشهرين الأخيرين نتيجة عاملين أساسيين، أولهما فشل كل المبادرات الهادفة إلى معالجة الوضع السوري سواء في المستوى الإقليمي كما حدث في مبادرة الجامعة العربية، أو في المستوى الدولي نتيجة الفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن، والثاني الزيادات الكبيرة في أعداد ضحايا الأحداث من القتلى والجرحى والمعتقلين والمهجرين إلى دول الجوار بفعل توسع العمليات الأمنية العسكرية، مما زاد في انشقاقات المؤسسة العسكرية و الأجهزة الأمنية، ووسع الدعوات إلى التسلح والعسكرة، وتعززت الدعوات الأخيرة بدخول كل من المملكة العربية السعودية وقطر وأطراف دولية أخرى مجال تسليح المعارضة في أعقاب مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي انعقد في تونس أخيراً.
 
لقد استغلت السلطات السورية تلك الدعوات على نحو واضح من اجل تأكيد أن ثمة تدخلات في الشؤون السورية، وان هذه التدخلات تدعم عسكرة الصراع في البلاد، بما يؤكد فكرتي المؤامرة والجماعات المسلحة، اللتين رددهما النظام والإعلام السوري كلاهما بأشكال مختلفة ومتعددة منذ بداية الأزمة في آذار (مارس) الماضي، قبل أن يتوج الأمر بشكوى السلطات السورية للأمم المتحدة في رسالة وجهتها إليها أخيراً من «وجود مجموعات مسلحة منذ بداية الأحداث تمارس قتل المواطنين الأبرياء بهدف تأجيج مشاعر المواطنين، وتحقيق كسب رخيص على المستويين الإقليمي والدولي»، وأكدت الشكوى، ان تسليح «الإرهابيين وتدريبهم سيقود إلى نتائج كارثية على المنطقة».
 
وكما هو واضح في موقف السلطات السورية، فإن اعتراضها على فكرة تسليح معارضيها، لا تتضمن أية إشارة إلى وقفها استخدام العنف المفرط في معالجة الأزمة، ولا طرح أية بدائل سياسية أو الاستجابة العملية لمبادرة الجامعة العربية التي كانت قد وافقت عليها من دون تحفظ في وقت سابق، مما يعني أن سياسة السلطات السورية في معارضة التسلح وتوسيع العنف سياسة عرجاء، تسير على قدم واحدة، وهي غير جدية، وتدفع بصورة عملية ليس لاستمرار العنف، بل إلى توسيعه، الأمر الذي يجعل البلاد في مسار الخراب، ويزيد من أعداد الضحايا في المرحلة المقبلة، إذا ترافقت الصراعات الداخلية مع تدخل دولي عسكري مؤكد في ما لو دخلت البلاد الحرب الداخلية.
 
إن معارضة التسلح تبدو مسألة ضرورية ليس من اجل الحفاظ على الطابع السلمي لثورة السوريين، وللحفاظ على البعد الإنساني والأخلاقي للثورة، بل من اجل التخفيف من حجم الضحايا البشرية والخسائر، لا سيما المادية، التي ستصيب سورية والسوريين. غير أن موقفاً كهذا ينبغي أن يرتبط بوقف قتل السوريين وبالتوجه نحو معالجة سياسية للازمة، وإلا كان الكلام في ممانعة التسلح ورفضه مجرد كلام حق يراد به باطل، كما يظهر في موقف السلطات السورية من معارضة تسليح المعارضة.
 
* كاتب سوري


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة