السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ٦, ٢٠١٨
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
سوريا
كيف تؤثّر "شخصنة" ترامب للسياسة الخارجيّة في الملفّ السوريّ؟
جورج عيسى
"المهمّة أنجزت!". كان ذلك التعليق الأبرز للرئيس الأميركي دونالد ترامب على قيادة بلاده ضربات صاروخيّة ضدّ مراكز بحثيّة سوريّة ردّاً على استخدام دمشق السلاح الكيميائيّ في دوما منذ ثمانية أشهر. في ذلك الوقت، طرحت صحيفة "نيويورك تايمس" الأميركيّة عنواناً يحمل السؤال التالي: "‘المهمّة أنجِزت!‘ لكن ما هي المهمّة في سوريا؟"

اليوم وبعد حوالي ثمانية أشهر، يبدو أنّ هذا السؤال يبقى من دون إجابة واضحة. صحيح أنّ هنالك معالم إجابة أكثر اكتمالاً من السابق، لكنّ الأهداف التي ينوي الأميركيّون تحقيقها لا تزال تتأرجح بين الغموض والالتباس.

أهداف كثيرة وتحوّلات قليلة

هنالك على الأقلّ، هدف واحد مشترك في #سوريا بين إدارتي أوباما وترامب وهو التخلّص من داعش. المعركة ضدّ التنظيم الإرهابيّ باتت في مرحلتها الأخيرة. لكنّ ذلك لا يمنع أن تكون هذه المرحلة تحديداً هي الأكثر تعقيداً. وتشكّل التقارير الرسميّة و التحليلات المتخوفّة و الهجمات الأخيرة التي يشنّها التنظيم في شرق سوريا دليلاً بارزاً على ذلك. بغضّ النظر عن التعقيدات، سيتمكّن الأميركيّون وحلفاؤهم على الأرض من حسم المعركة الميدانيّة خلال الأسابيع المقبلة. وعندها سيلوح سؤال "ماذا بعد". من الناحية المبدئيّة تريد الولايات المتّحدة تحجيم النفوذ الإيرانيّ في سوريا. خلال الأشهر القليلة الماضية، كان هنالك رهان غير ناجح على أنّ روسيا ستقوم بهذا الدور. وفي ما يرتبط بمصير الرئيس السوريّ بشّار الأسد، لا تزال الرؤية الأميركيّة ضبابيّة.

ربّما كان التحوّل الأبرز في الإدارة الأميركيّة هو إبقاء قوّاتها في سوريا إلى أجل غير مسمّى وهو تطوّر ينافي ما كان ترامب قد أعلنه لا في حملته الانتخابيّة وحسب بل أيضاً في خطاب شهير أمام تجمّع في أوهايو أواخر آذار الماضي. ترافق ذلك التحوّل مع تعيين واشنطن للسفير السابق جايمس جيفري موفداً لوزارة الخارجيّة الأميركيّة للتواصل بشأن سوريا. ركّز جيفري خلال حديث صحافيّ في شهر أيلول على أنّ بلاده ليست "مستعجلة" للانسحاب. غير أنّ عدم الاستعجال لا يعني بالضرورة أنّ بقاء حوالي 2000 جنديّ أميركيّ في سوريا كافٍ وحده كي يشكّل استراتيجيّة أو كي يضمن تطبيق هذه الاستراتيجيّة.

ردود فعل عاطفيّة؟

بالعودة إلى تغريدة "المهمّة أنجِزت"، حملت الأخيرة فكرتين رئيسيّتين تدوران معاً في ذهن ترامب: عدم الانخراط أكثر في المستنقع السوريّ وإثبات أنّه أكثر حزماً من سلفه. نجح الرئيس الأميركيّ بتحقيق الثانية. لكنّ الفكرة الأولى هي التي تكشف الصراع الجدّي بين ما يوصف ب "حدس" ترامب في الانسحاب من ساحات الصراع الدوليّة من جهة وإرادة "المؤسّسة" تجنّب أخطاء أميركيّة سابقة بالانسحاب المبكر من العراق. وحتى بالنسبة إلى تأكيد ترامب حزمه مقابل تردّد أوباما، يشدّد البعض على أنّ الضربات المعزولة من دون استراتجيّة واضحة لن تنقذ السوريّين. على الضفّة الأخرى، رأى آخرون أنّه كان بإمكان الولايات المتّحدة توجيه رسائل أكثر حزماً، كاستهداف مبان حكوميّة، تعطي واشنطن موقعاً متقدّماً خلال المفاوضات.

تبدو مشكلة الإدارة الأميركيّة تجاه سوريا متعددّة المستويات. أحياناً يظهر أنّ واشنطن تدرس خطوات توحي بوجود منعطفات أميركيّة تجاه الملفّ السوريّ، قبل تبيّن أنّ كلمة "منعطفات" مبالغ بها. وهنا يمكن ملاحظة مشهدين متوازيين بين سنتين متتاليتين. فبعد هجومي خان شيخون (2017) ودوما (2018) بدت واشنطن تقود حراكاً دوليّاً، ديبلوماسيّاً أو عسكريّاً، من أجل وقف الهجمات الكيميائيّة وتسريع الحلّ السياسيّ. لكن بعد مرور أسابيع على هذين الهجومين، تعود المبادرة لتخفت بشكل كبير. ربّما يعود ذلك إلى أنّ ردّ الفعل الأميركيّ يُبنى أحياناً على العواطف تجاه بعض الأحداث. سنة 2017، أشارت تقارير إلى أنّ ترامب تحرّك بعدما رأى ابنته متأثرة بما جرى في خان شيخون. بينما في 2018، كان للطبيبة الأميركيّة-السوريّة ريم البزم تأثير على سياسة ترامب وتشدّده في ما خصّ الهجوم المحتمل على إدلب، وفقاً لشبكة "سي أن أن" الأميركيّة.

ما يسلّم به مجتمع السياسة الخارجيّة

في تقرير مطوّل لآرون لاندر، يمكن للقارئ تلمّس الدوافع الشخصيّة للرئيس الأميركيّ في اتّخاذ الخطوات حول الأزمة السوريّة. التقرير الذي نشرته مؤسّسة الرأي الأميركيّة "ذا سنتشوري فاوندايشن" منذ أقلّ من أسبوع، يلقي الضوء على أنّ عمليّة صناعة القرار في البيت الأبيض تصبح "أكثر مزاجيّة وأكثر شخصنة"، مشيراً إلى أنّه بعد بضعة أيّام على حديث ترامب عمّا سمعه من الطبيبة السوريّة حول إدلب، بدأت الإدارة تحذّر بالردّ على أي هجوم كيميائيّ أو متهوّر. وينقل الكاتب عن مسؤولين ومحلّلين أنّ ترامب لا يهتمّ بالسؤال الأوسع حول وجهة الحرب السوريّة إلّا قليلاً. وفقاً لهؤلاء، يبدي الرئيس اهتماماً بالشؤون السوريّة التي تهمّ قاعدته الشعبيّة مثل هزيمة داعش ثمّ التودّد لإسرائيل ومناهضة إيران أي "الأمور التي قد تطلق تحرّكاً في سوريا، لكنّها ليست متعلّقة في نهاية المطاف بسوريا". ويذكر كيف أنّ ترامب قرأ في "واشنطن وبست"، كيف وعد تيليرسون الأكراد بمساعدة اقتصاديّة، فغضب وجمّد الأموال المخصّصة لتثبيت الاستقرار في المناطق الكرديّة.

بطبيعة الحال، لا يقتصر الموقف الأميركيّ تجاه سوريا على نظرة ترامب وحدها إلى الملفّ. فعدد المهتمّين بالشأن السوريّ في واشنطن كبير ممّا يفسّر كثيراً غياب التجانس في عمليّة صياغة رؤية سوريّة موحّدة. ومع ذلك، يبقى هذا الشقّ مؤثّراً في مستقبل السياسة الأميركيّة حول هذه البلاد. ولعلّ ما كتبه لاندر نقلاً عن مقابلاته في واشنطن يلخّص بعض هذا التوجّه: "يبدو الكثير من مجتمع السياسة الخارجيّة الأميركيّة مسلّماً سأماً بواقع أنّ رئيسهم، يمكنه في أي لحظة، أن يقلب وينحر الاستراتيجيّة السوريّة الحاليّة بعد سماعه شيئاً لم يعجبه في الأخبار أو ضمن مائدة عشاء لمجموعات ضاغطة".


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة