ايلي الحاج
الخبر محزن حقاً لحلفاء سوريا وإيران في لبنان: إن رياح التغيير التي تهب على الأنظمة المتراصة في هذا الجزء من العالم مصدرها واشنطن، لا دمشق ولا طهران. وها هي الوزيرة هيلاري كلينتون
تكاد تضع يومياً جدول أعمال المنتفضين والحكّام المتزعزعة عروشهم: الإصلاح، ثم التغيير بالإنتخابات (ليس على الطريقة اللبنانية طبعاً) وإلا... فواجهوا شعوبكم!
كلينتون مفوّضة التعبير عن توجه إدارة باراك أوباما إلى أنظمة تزاوج بين الديموقراطية وضمان الجيش، صديق أميركا، للإستقرار والحؤول دون سيطرة المتشددين الإسلاميين على السلطة. ولعل أحداً لا ينسى شكاوى الرئيس المصري ومراراته المتمادية سنوات من حلفائه الأميركيين الذين ما انفكوا يغذون خصومه الرافعين شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان والحد الأدنى من الحياة الكريمة. صحيح أنه شكا أيضاً تدخلات "حزب الله" والإيرانيين خلفه في مصر، لكنها كانت خلية صغيرة وضاعت الآن آثارها. لا تقارَن بتدخلات الأميركيين الذين دفعوا ملايين كثيرة من الدولارات ووظفوا ورعوا ودرّبوا وحموا تنظيمات وهيئات وشخصيات تقود اليوم ثورة الشارع بينما تغيب وجوه "الإخوان المسلمين" وجماعات "الموت لأمريكا".
يجب ألا يبتهج أنصار سوريا وطهران في لبنان بآخر أخبار تونس ومصر، وقبلهما وبعدهما السودان واليمن والأردن. فالبقية تأتي والإنتفاضات تعدي الشعوب كالأوبئة سواء أخفقت أو نجحت، والرهان على خنقها في المهد كما كان يحصل في العقود الماضية غير مضمون دائماً. سيقوم غداً من يسأل المتهللين فرحاً بأخبار زين العابدين بن علي وحسني مبارك عن الديموقراطية وفرص العمل وحقوق الإنسان في إيران وسوريا أيضاً. و"سلاسة إنتقال السلطة" في لبنان التي نوّه بها الرئيس بشار الأسد قد يُسأل عنها في سوريا. أما دول الخليج العربي التي يُقال بأن لها مصلحة في حصر موجة التغيير بالجناح الأفريقي من العالم العربي لئلا تصل إليها فقد لا تكون في دائرة الخشية من وباء الديموقراطية ورياح التغيير، حتى لو كانت الإصلاحات مطلوبة منها هي أيضاً. فتلك أنظمة تتميز بتركيبة معاهدات ومواثيق قبلية تحدد توزيع الأدوار بين الأسر الحاكمة وشعوبها، أما الأصوليون المعارضون فتعاملهم تلقائياً كإرهابيين وتتمكن منهم تباعاً ولا يرقون إلى رتبة معارضة. لا تخشى تلك الأنظمة واقعاً إلا إيران، وإيران حليفة لسوريا تلتقيان على أرض واحدة في لبنان. وقد تكون الدولتان سارعتا في ليلة ليلاء إلى دعم عملية "الإنتقال السلس للسلطة" فيه، إن لم يكن تنظيمها، إغلاقاً للباب المشرّع على عواصف أفريقية مزعجة.
لكن من حسن حظ سعد الحريري أنه لم يعد رئيساً للحكومة وسط القراءات السورية والإيرانية العمياء قصداً لما يلوح في الجوار البعيد والقريب. فلولا "السلاسة" لكانوا صوّروه رمزا للديكتاتوريات البائدة وسيّروا تظاهرات ضد رئاسته وحكومته كأنه الحاكم بأمره فعلاً. تحرّر الرجل من أثقال الحكم المستحيل. بات قادرا على مصارحة شعب انتفاضة الإستقلال بما جرى منذ أن سبق هذا الشعب غيره إلى فرض التغيير على حكامه في ربيع 2005، فأذهل العرب وكاد أن يعدي جيرانه. لا يمكن أن تنتصر الحرية في لبنان وتبقى رياحها محصورة فيه. سمير قصير كان على حق.
|