الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٩, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
ماذا يجري في القاهرة بين المعارضتين السوريتين؟ - منذر خدام

تجري في القاهرة، وبمبادرة من الجامعة العربية، محادثات بين المعارضتين السوريتين، المجلس الوطني وهيئة التنسيق، للاعداد لمؤتمر وطني في القاهرة يوحّد المعارضة السورية. لكن فيما الشق السياسي من المحادثات يتقدم، الشق التنظيمي معطّل لرفض وفد المجلس الوطني البحث فيه.

 

تفيد مصادر عليمة من القاهرة بأنه على عكس ما تروّج وسائل إعلام المجلس الوطني بأنه يحضّر(أي المجلس) بالتعاون مع الجامعة العربية لعقد مؤتمر للمعارضة السورية وذلك تنفيذا لقرار جامعة الدول العربية القاضي بدعوة المعارضة السورية للاجتماع في القاهرة، فإن الحقيقة هي أن الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد نبيل العربي كان طلب من المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطنية تشكيل لجنة تحضيرية مشتركة للإعداد لعقد مؤتمر وطني سوري في القاهرة، يشارك فيها عدد متساو من الأعضاء من كلا الطرفين على أن تنجز عملها في أقرب وقت ممكن.


الهدف الرئيس من عقد هذا المؤتمر هو العمل على توحيد المعارضة السورية، إضافة إلى إعداد وإقرار وثيقتين سياسيتين: إحداهما تتعلق برؤية المعارضة السورية لمتطلبات المرحلة الانتقالية، والثانية تتعلق بإعلان مبادئ دستورية لسوريا الديموقراطية المنشودة. وقد أفادت المصادر عينها، وهي قريبة من أوساط المجلس الوطني، بأن اللجنة المشتركة التي تعمل على الورقة السياسية تتقدم في عملها ولم تظهر حتى الآن خلافات جوهرية تعوّق ما عزمت على إنجازه. وقد أكد ذلك أيضا بعض المقربين من أوساط وفد هيئة التنسيق في القاهرة، وهذا يدعو للتفاؤل حقاً، بأن يكون للمعارضة السورية أخيراً وجهة نظر واحدة تجاه ما يجري في سوريا، وتعبر عن طموح الشعب السوري.


من جهة أخرى، أفادت المصادر عينها بأن العمل على الشق التنظيمي المتعلق بتوحيد المعارضة السورية تنفيذا لمطالب جامعة الدول العربية والعديد من الأطراف الدولية الأخرى لم يبدأ بعد بسبب رفض وفد المجلس الوطني البحث فيه. وعندما سئلت هذه المصادر عن السبب في رفض وفد المجلس الوطني البحث في توحيد المعارضة، وهل يمكن اعتبار ذلك نوعا من التكتيك للضغط على وفد هيئة التنسيق للقبول برؤية المجلس السياسية؟ أجابت هذه المصادر بأن رفض وفد المجلس الوطني هو رفض مبدئي، ويأتي تنفيذا لقرار اتخذته الأمانة العامة للمجلس، الذي يعتبر نفسه الممثل الشرعي الوحيد لها. وعندما طالبه وفد هيئة التنسيق بتشكيل لجنة عليا لتنسيق السياسات والمواقف تضم جميع أطياف المعارضة، خصوصا ان هناك العديد منها لا ينتمي للمجلس أو للهيئة كان الجواب أيضا بالرفض.


وأكثر من ذلك أفادت هذه المصادر بأن في المجلس الوطني من يرفض رفضا باتا انضمام الهيئة للمجلس حتى ولو جاء بلا قيد أو شرط، وسربت بعض الأسماء القيادية المهمة فيه التي تقول بذلك، نتحفظ عن ذكرها. والحجة المعلنة التي يسوّقها هؤلاء هي أن هيئة التنسيق تقبل الحوار مع النظام، بل يصفها المغالون منهم بأنها الوجه الآخر للنظام، وهذا ما نفته وتنفيه الهيئة باستمرار.


وبعيدا عن هذه الحجج الواهية التي يتذرع بها قادة المجلس الوطني للتهرب من استحقاق توحيد المعارضة، فإنهم لا يخفون عن بعض أوساطهم ما هو غير معلن، لكنه متداول، وهو حقيقي يفيد بأن وجود هيئة التنسيق في قوام المجلس الوطني سوف يخلق نوعا من التوازن داخل المجلس يحول دون اللجوء إلى التدخل العسكري الخارجي كخيار محتمل. هذا من جهة، ومن جهة ثانية سوف يحد من قدرة تركيا وأطراف دولية أخرى (فرنسا على سبيل المثال) على التأثير على مواقف وسياسات المجلس الوطني السوري.


وإذا وضع هذا الكلام في سياق ما صرح به برهان غليون ونشر في فيديو مصور على شبكة التواصل الاجتماعي، من أنه محاصر ولا يستطيع أن يقر شيئا من سياسات المجلس الوطني، وخصوصا ما يتعلق بتوحيد المعارضة، بوجود أشخاص معينين (ذكر أسمائهم...) ينتمون إلى إعلان دمشق والإخوان المسلمين، وقوله بأن من " يملك التمويل يتحكم بسياسات ومواقف المجلس الوطني..." تصير الصورة واضحة جداً.


هذا يعني أن القوى الفاعلة في المجلس الوطني، والقوى الداعمة والممولة له، لا تريد وحدة المعارضة السورية بما يحدّ من خياراتها السياسية، وهذا يتناقض مع ما أعلنه السيد برهان غليون وأعضاء قياديين آخرين في الأمانة العامة للمجلس بأن أبواب المجلس مفتوحة لجميع المعارضين السوريين في تعبير واضح عن ازدواجية المواقف.


من المؤسف بعد كل ذلك أن تُحمَّل هيئة التنسيق مسؤولية عدم توحيد المعارضة، وأن تُشن عليها حملة ظالمة وتقوِّلها مالا تقوله، ولا تؤمن به، خصوصا عندما يأتي ذلك من قوى الحراك الشعبي في الشارع. فمن خلال متابعتي لقضايا توحيد المعارضة السورية بل مشاركتي في بعض المساعي على هذا الطريق أعلم بأن الهيئة لم تكن عقبة أبداً.


فمنذ اتفاق الدوحة وهو الاتفاق الجدي الوحيد والمهم الذي توصلت إليه أطراف المعارضة الرئيسة: إعلان دمشق وهيئة التنسيق الوطنية والتيارات الدينية بمن فيها الإخوان المسلمون، أعلنت الهيئة موافقتها عليه بعد عودة وفدها مباشرة من الدوحة، لكن الآخرين سرعان ما انسحبوا منه، وقد حمَّل برهان غليون في حينه الإخوان المسلمين سبب فشل اتفاق الدوحة. ورغم ذلك ظلت قيادة الهيئة تطالب بصورة شبه يومية قوى إعلان دمشق بتوقيع اتفاق الدوحة، فكانت المماطلة هي الرد الوحيد ليتبين لاحقا أنهم مع الإخوان المسلمين وبعض القوى المعارضة الأخرى يتباحثون لتشكيل المجلس الوطني السوري الذي أعلن من اسطنبول من وراء ظهر الهيئة.


ومع أن دعوة قيل أنها وُجِّهت لقيادة الهيئة للمشاركة في المجلس، إلا أنها كانت دعوة للانضمام فقط في تجاهل واضح لدورها وما تمثله من قوى سياسية معارضة في الداخل والخارج. ومع أن الهيئة كانت رحبت بإنشاء المجلس في بيان أصدرته بهذا الشأن، قالت فيه بأن الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني السوري يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح باعتباره إطارا يضم بعض أطراف المعارضة السورية في الخارج والداخل، وسوف تعمل (أي الهيئة) في المستقبل معه ومع غيره من فصائل المعارضة السورية على إنشاء إطار جامع للمعارضة السورية يتبنى مطالب الشارع السوري ويعمل عليها في المجال السياسي، وأكثر من ذلك فقد اتخذ مكتبها التنفيذي قرارا بعدم القيام بأي فعل من شأنه أن يضر بالمجلس الوطني السوري، لكونه "حلما تعلق به الشارع"، مع ذلك، بل رغم كل ذلك، قوبلت هيئة التنسيق بحملة شرسة ظالمة لتشويه سمعتها، وتقويلها مالا تقوله، ولا تؤمن به، ووصل الأمر إلى حد الاعتداء على أعضاء وفدها في القاهرة الذين كانوا على موعد مع السيد نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية.


بطبيعة الحال هناك فصائل وتشكيلات معارضة أخرى إضافة إلى العديد من الشخصيات الوطنية المستقلة غير منضمة إلى المجلس الوطني أو إلى هيئة التنسيق لا يجوز تجاهلها أو التقليل من دورها. من المهم في هذه المرحلة بالذات أن ترتفع جميع الأصوات المعارضة الشريفة، وخصوصا قوى الحراك في الشارع للمطالبة بتوحيد المعارضة بكل أطيافها وبصورة خاصة لتوحيد المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية. إن لغة التخوين، ومنطق الإقصاء، لا تليق بثورة الشعب السوري، ولا تحترم شهداءه، ولا تقدم الصورة الصحيحة عنه، وهي تشوه الحلم الديموقراطي الذي ينشده وقد صار قاب قوسين أو أدنى من التحقق.
وإذا كان التاريخ يعلِّمنا انه في القضايا الكبرى لا يصح في النهاية إلا الصحيح، رغم ذلك فقد تكون الأثمان التي قد يتسبب بها أولئك الباحثون عن موقع فيها، وليس عن دور، باهظة جداً. يبدو لي أن مثل هؤلاء ليس قليل عديدهم في سوريا اليوم.

 

( معارض سوري (حركة معاً))



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة