السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٤, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الجنرال يملك ولا يحكم - جمال فهمي

"الثورة تعيد إنتاج نفسها"، "إنها ثورتنا الثانية" ... هذه عينة مما يقوله مئات ألوف الشباب والناشطين المصريين المحتشدين منذ السبت الماضي في ميدان التحرير بقلب القاهرة مستعيدين سيرة ومشاهد الايام الثمانية عشر التي بدأت في 25 كانون الثاني الماضي وانتهت باسقاط حسني مبارك عن عرش تربع عليه ثلاثين عاما.
الآن سهام الثورة المستعادة تبدو موجهة حصرا وصراحة ومن غير مواربة إلى المجلس العسكري ورئيسه المشير محمد حسين طنطاوي الذي ورث حكم البلاد المطلق عن مبارك، إذ يكاد المرء لا يعثر على شاب أو ناشط واحد من الملايين العائدين هذه الأيام إلى الميدان العتيد لا يهتف في وجهك فورا ومباشرة: لا بد للمشير أن يرحل … الآن الآن وليس غداً.


لقد رحل مبارك بعاصفة غضب من النوع نفسه ولكن بعدما استهلك حكمه ثلاثة عقود من تاريخ مصر الحديث، أما المشير طنطاوي وزملاءه العسكر فقد هبت عليهم العاصفة بعد تسعة أشهر فقط، ربما لأنهم لم يفهموا ولم يبتلعوا حتى الساعة حقيقة أن المصريين كسروا الطوق وأن جيلا جديدا جرب أن ينتزع الحرية ونجح ، وأضحى متمرسا باللعبة ومستعدا للعودة اليها من غير أن يهدر وقتاً كثيراً في حساب التوازنات.


مشكلة المشير أن أسباب الغضب من رحلته القصيرة في الحكم باتت الشيء الوحيد تقريبا الذي يجمع عليه الأفرقاء اللاعبون على المسرح السياسي وربما أكثر مكونات المجتمع، فالكل يتحدث جهارا نهارا عن أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فشل فشلا ذريعا في إدارة الشؤون السياسية للبلاد وبناء جسر المرحلة الانتقالية الذي كان يفترض أن تعبر عليه البلاد من ماضٍ كئيب الى مستقبل واعد يتمتع فيه المصريون بالحرية والديموقراطية والعدالة والكرامة الإنسانية.


الكل أيضا يلاحظ أن العسكر ضيعوا وأهدروا تسعة أشهر طويلة وثمينة بينما هم يخبطون خبط عشواء في كل اتجاه وفرض على المجتمع (بإيعاز من الإخوان المسلمين) مسار شاذ يعاكس مسارات كل ثوارت الشعوب قديمها وحديثها، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى صنع لوحة فوضوية هائلة يجأر الجميع من مآسيها وكوارثها المتلاحقة، وآخرها المهرجان الدموي الرهيب الذي أقامته الشرطة العائدة من غياب طويل في ميدان التحرير السبت الماضي وأدى الى تفجير الثورة المستعادة
أما كيف يرحل المشير وزملاؤه؟ ولمن يتركون السلطة؟ فقد بلور السياسيون مقترحا خلاصته إجراء تعديل عاجل وجذري في تركيبة السلطة السياسية الانتقالية الحالية ، هذا التعديل قد يحافظ على شكلها القائم لكنه يبدل مواقع القوة ومراكزها فيها بحيث يبقي المجلس العسكري كما هو على رأس هرم الدولة لكن مع نقل أكثر سلطاته إلى حكومة وحدة وطنية قوية تدير شؤون البلاد مؤقتاً... أي يتحول العسكر "ملكاً" يجلس على العرش ولا يحكم.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة