علي حماده
لحظات مثيرة من تاريخ الوطن العربي يعيشها جيلنا. فبين تونس ومصر ثمة لوحة كبيرة اهتزت، ولن تعود الى مكانها إلا بعد ان يحصل تغيير كبير يطوي مرحلة ويفتتح مرحلة جديدة ستكون بمثابة النموذج الذي سيبنى عليه الكثير في المستقبل القريب. فالدرس الاهم مما حصل في تونس ومصر انه انطلق من احداث اعتبرت في لحظتها عابرة وهامشية، فإذ بها الشرارة التي اشعلت سهلا وما عادت تخبو بالوسائل العنفية ولا بالاجراءات السياسية التي أتت في الحالتين متأخرة عن ركب الجمهور. والحال انه بصرف النظر عن الفوارق الكبيرة بين النظامين التونسي والمصري لناحية البنية والتاريخ والقدرات وحتى لناحية تفاعلهما مع المجتمع المدني، ثمة حقيقة خرجت من التجربتين، ومفادها ان دينامية الجمهور سرعان ما تتجاوز الشعارات المرحلية التي يرفعها السياسيون، وكثيرا ما تصير حقائق الشارع المتسارعة مسيرة للتطورات: في تونس بدأت الحركة مطلبية وانتهت باقتلاع نظام بأسره. وفي مصر بدأت بسلسلة من التحركات الموضعية سياسية مطلبية وسرعان ما أدت الى وضع شعار رحيل الرئيس في مقدم المطالب. في الحالتين ادى الجيش دور حارس التغيير. انهارت الاجهزة الامنية في تونس وبقي الجيش الناظم للمرحلة الانتقالية. في مصر انهارت الشرطة وبقي الجيش الناظم للمرحلة التي اضحت انتقالية كيفما تطورت الامور. اما المخابرات المصرية فجزء من ماكينة "مؤسسة الجيش" التاريخية فتبقى في عهدة الجنرالات، ورئيسها التاريخي في المرحلة الاخيرة اللواء عمر سليمان يكسر حرماً أرساه الرئيس حسني مبارك ليصبح نائباً للرئيس منهيا إشكالية التوريث.
في مطلق الاحوال لم تنته احداث مصر، ولن تنتهي برحيل الرئيس حسني مبارك، لأن البلاد مقبلة على مرحلة انتقالية صعبة ومعقدة سيتعين على اطراف المعادلة الجيش ومعه ماكينة النظام المنبثقة منه، والمعارضات المتنوعة ابتداع صيغ حكم قابلة للحياة تحول دون سقوط البلاد في حالة فوضى لا قيامة منها.
احداث مصر وقبلها احداث تونس لا شك في انها ألهمت الشعوب العربية من الخليج الى المحيط. ولعل اهم الدروس المستقاة منهما تتلخص في انه ما ان تقرر مجموعة من الناس ان تدفع ضريبة الدم دفاعا عما تراه صوابا فإن الانظمة العربية تهتز. هذا درس يصح في كل مكان من الوطن العربي، حتى في بلدان تعتبر قمعية ودموية. ان الخوف هو العامل الاكبر في تأبيد الاستبداد في اي مكان. واليوم ثمة متغير اساسي هو ان الانظمة ما عادت قادرة على اراقة دماء الجماهير من دون حسيب او رقيب.
انتهت ازمنة حلبجا وحماة وغيرهما من المحطات السوداء في تاريخ الانظمة العربية. والباقي يتوقف على ارادة الجماهير واستعدادها للمجازفة بأغلى ما تملك في سبيل تحقيق التغيير الذي تصبو اليه. وفي النهاية لكل بلد من بلدان المنطقة ظروفه وخصائصه، وما حصل في تونس او مصر قد لا يتكرر سريعا في غيرهما حيث الحاجة ملحة الى التغيير.
|