رحاب بسام (مدونة مصرية
سمعت امس الهتافات من شرفة منزلي قبل ان تتوجه احدى المجموعات الى "ميدان التحرير"، وتابعت الاخبار متمنية النزول الى الشارع، ومتخوفة من ان يتحرش بي احدهم او ان يطالني بطش الامن المركزي، ويتسبب ذلك بان انقم على الحال اكثر واكثر، ويحبطني عن جهودي لتحسين الاوضاع على المدى الطويل ومن دون مواجهات سياسية من اي نوع.
مكثت في المنزل مكتفية بمشاركة لحظات التظاهرة عبر الانترنت والهاتف، متمنية النزول الى الشارع، وعندما بدأت اساليب التعتيم الاعلامي المستفزة، لم استطع البقاء. استجبت لمكالمة هاتفية مدتها ثانية واحدة... وخرجت الى الشارع!
كان امس ردا على كل الادعاءات وغسل الادمغة القائلة بأن النظام القائم افضل من البدائل الاخرى المطروحة، كما كان بمثابة مراجعة لكل ما درسته من محاضرات العلوم السياسية خلال دراستي الجامعية. ولاقتناعي بتلك النظريات ارى بصيصا من النور، فان لم يأت التغيير الآن فهو أت لا محالة، لاننا تغيرنا ولاننا اثبتنا اننا بالفعل نريد ذلك ونستحقه، وحتى عندما تعجز النظريات عن ترقب ما سوف يحدث تبقى نظرية واحة ثابتة: الله عدل.
اولا، هو (التحرك) رد على الطبقة المدعية الثقافة والتحضر والمتنصلة من "الغوغاء" والزاعمة ان "ده شعب جاهل ما يستحقش الديموقراطية"، كأنهم حصلوا على ختم استحقاق الديموقراطية لكونهم من اصل اريستوقراطي ولى زمانه، او لحملهم جوازات سفر من دول ديموقراطية دون اي من الثقافة السياسية لتلك الدول. امس وللمرة الاولى في وسط البلد، لم اتعرض للتحرش الجنسي، وللمرة الاولى ارى شبانا من خارج مجموعات حماية البيئة يجمعون القمامة، وآلافا من الناس متحدين على اختلافهم، يتشاركون في الطعام والمياه ويتبادلون الآراء، كما ان الشعارات على اختلافها التزمت حدود اللياقة.
ثانيا، هو رد على من لا يحس بقيمة المعلومة او التعبير عن الرأي، كل مساهمة لها وزن حتى وان لم تتعد صفحات الانترنت. ويجب ان اعترف انني تهكمت على ناشطيها من قبل لانهم لم يفعلوا الا الكلام والتذمر، وانا اعتذر الآن، فلولا تلك الصفحات وtwitter ومشاركة المعلومات، والاهم من ذلك الاحساس بالوحدة من خلال التعليقات والصور، لما نزل احد الى الشارع امس. ثبت ان لكل فرد دورا على قدر استطاعته ووفق ما يجيد، فلولا من بقوا في المنزل يحاولون ايجاد حلول لكي تصل المعلومات من طريق شبكة الانترنت او الهواتف، ولولا من قام بمشاركة التجربة ولو نقلا، لصدق الجميع قصة هدايا وورود عيد الشرطة ومثل تلك السخافات (اطرفها طبع بعض الجرائد خبر فض الاعتصام حتى قبل ان يتم).
فلولا مشاركة افكار للتعامل مع الغاز المسيل للدموع وخلافه من طريق شتى وسائل الاتصالات لما تمكن العديد منا، ممن تنقصهم ثقافة التظاهرات والاعتصامات في مثل دولنا، من الصمود تلك الساعات الطويلة.
رابعا، هو رد على كل من يتهم قوى المعارضة بالخيانة، لانهم اتوا امس من دون علامات او شعارات تدل على احزابهم، وانخرطوا في المجموعة متحدين من اجل هدف واحد. خامسا، هو رد على كل من قال "احنا مش زي تونس"، لأ احنا زي تونس ونص كمان! ولا انكر انني نظرت الى الامر من منطلق نظري بحت لانني كنت اظن ان من الضروري ان تكون لدينا طبقة متوسطة متعلمة كبيرة بدلا من تشتت الشعب ما بين طبقة مطحونة لا تقدر، وطبقة مرهفة لا تكترث. لكن الامس اثبت ان الشعب طفح به الكيل، وان من لا يعاني اليوم للحصول على قوت يومه، لديه بعد نظر وضمير.
نحن جيل بلا ثقافة مقاومة، زرع فيه الخوف منذ نعومة اظافره، جيل علمته اجيال تم تدجين مثقفيها من خلال النظام الحاكم، وآن الوقت لنتعلم اسس اللعبة. عند الخروج من التظاهرة احسست بتردد وحيرة عساكر الامن المركزي، كأن لسان حالهم يقول "الناس دي يمكن يكون عندها حق". اشكر من اوجد هذا التعبير المناسب جدا خلال مناقشة مساء امس، واشكره ايضا لتعليمنا بعض اسس اللعبة.
|