الجمعه ٢٩ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ١٦, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
نظام الحكم بـ"المحاكم" !... - جمال فهمي

كثيرون تحمسوا وهللوا فرحا بحكم أصدرته الأسبوع الماضي أحدى محاكم القضاء الإداري المصرية (محكمة المنصورة) قضى بحرمان أعضاء سابقين في "الحزب الوطني" الحاكم سابقا والمنحل حاليا، الترشح في الانتخابات البرلمانية المقررة في نهاية الشهر الجاري لأنهم "افسدوا الحياة السياسية وأهدروا الحقوق والحريات وقوضوا دعائم الديموقراطية وزوروا إرادة الناس عندما تلاعبوا بكل انتخابات جرت في البلاد مدى ثلاثين عاما لكي يغتصبوا زورا وبهتانا صفة تمثيل الشعب".


غير أن بعض الذين يشاطرون المحكمة رأيها هذا بل يلحون - كما غالبية النخبة السياسية - في مطالبة المجلس العسكري الحاكم الآن بإصدار مرسوم تشريعي يطلق عملية تطهير منظمة للدولة والمجتمع من بقايا نظام مبارك وفقا لقواعد "العدالة الانتقالية" التي أتبعت في الكثير من دول العالم التي شهدت ثورات شعبية ، هؤلاء سارعوا إلى ابداء تحفظهم عن حكم محكمة المنصورة وشككوا في متانة الأساس القانوني الذي قام عليه، واعتبروه "حكما خارج القانون" يستند فقط الى منطق السياسة الذي (لو كان سليما) لا يكفي ولا يصلح تبريرا لأحكام القضاء، خصوصا ان الأمر يتعلق بقضية حساسة مثل الحرمان من حقوق أساسية لصيقة بصفة المواطنة.


وفي اليوم التالي تلقى أصحاب هذا الرأي مددا سريعا لم يتوقعوه، إذ حكمت محكمة أخرى تنتمي لمنظومة القضاء الإداري أيضا (محكمة الإسكندرية) برفض دعوى طلب أصحابها رفع أسماء أعضاء في الحزب المنحل من القوائم الرسمية للمرشحين في المدينة، واستندت المحكمة إلى غياب تشريع يجيز هذا الإجراء وينظمه ويضع شروطه، ومن ثم بات هناك حكمان بموقفين ومبدأين متعارضين، الامر الذي استدعى تدخل المحكمة الإدارية العليا التي حسمت الإثنين الماضي الخلاف وانتصرت لرأي محكمة الإسكندرية.


لكن هذا الحسم القضائي للتناقض في الأحكام لم ينه الجدل السياسي في شأن مدى ملاءمة الاستمرار - بعد ثورة شعبية عارمة يحلم من فجروها بإقامة دولة قانون ديموقراطية - في الاعتماد على أحكام المحاكم لعلاج قضايا السياسة ومشاكلها على نحو ما جرى في قائمة طويلة جدا من المواضيع، مثل بيع مشاريع القطاع العام وتصدير الغاز الى إسرائيل وحل حزب مبارك، وغيرها.


لقد استغل كثيرون مناسبة الحكمين القضائيين المتناقضين الآنفي الذكر فاستجمعوا شجاعتهم ورفعوا أصواتهم بالتحذير من خطورة استمراء استبدال أحكام المحاكم بالممارسة والكفاح السياسيين، لأن في ذلك خلطاً غير محمود العواقب لنطاق عمل سلطات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، بما يفضي حتما إلى إهدار للمبدأ العمدة في أي نظام ديموقراطي يستحق أسمه... أي مبدأ الفصل الكامل بين السلطات.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة