علي حماده
باتت المعلومات عن الانقلاب الذي أدى الى تطيير ما كان يسمى "حكومة الوحدة الوطنية" و من بعده الى ادارة معركة التكليف على مستويي الارض (التهديد بالسلاح) والضغط بالسياسة بما يعيد بالذاكرة الى معركة التمديد سنة 2004 – باتت المعلومات متوافرة بالكامل ان لجهة الترتيب الذي جرى بين الرئيس المكلف والقيادة السورية ومعها قيادة "حزب الله"، او لجهة استكمال انتقال من زعموا انهم اختاروا "المنزلة بين المنزلتين"، او حتى بالنسبة الى رئاسة الجمهـــــورية التي عاشـــــت بضعة أيـــــام في أجواء "تونسيــــة".
ووفق المعلومات المتوافرة ان مباشرة او بالتقاطع فإن "الانقلاب" لاخراج "ثورة الارز" من آخر موقع في الحكم ما أتى مدفوعا بالاحداث المتسارعة، بل في إطار التعجيل في عملية نقل لبنان من موقع الى موقع، والبناء على الانتقال للتفاوض على مرحلة مقبلة يكون فيها الاستحواذ على "تفويض" خارجي بلبنان أكثر يسرا بناء على الواقع الجديد الذي فرضه تحالف يمتد من طهران الى دمشق، وقد وجد لنفسه موطئ قدم في التركيبة اللبنانية عبر شخصيات كانت معتبرة في مرحلة من المراحل بمثابة الودائع الرمادية التي جرى فرضها في فترة الاختلال التي عكستها المصالحة العربية السعودية - السورية. وهذه المصالحة وما استتبعها يجب ان تدرس بعناية للنظر في مواضع الضعف من جهة، وفي الهدايا المجانية التي قدمت الى دمشق وما كانت تنم عن معرفة وادراك بما يهجس به السوريون عندما يكون لبنان موضوع التسوية.
أيا يكن من أمر، فإن الامر قضي بالقانون، تماما كما قضي موضوع التقيّد بالقانون ووفق الدستور الذي كان جرى تعديله قبلا. فاخراج "ثورة الارز" من الحكم، ومهما قيل فيه، جرى قسرا و بوسائل لا تختلف كثيرا عن التمديد. والتلويح عبر شهور بحل امني - عسكري يقدم عليه الفريق المسلح المسمى جوازاً مقاومة قلب الحياة السياسية اللبنانية بحيث صار السلاح بعد غزوات 7 و11 ايار 2008 في قلب المعادلة السياسية عاملا مؤثرا، بل محددا لكل حراك سياسي، او معوقا لاي ترجمة سياسية حرة لنتائج صندوقة الاقتراع. والامر لا يقتصر على مواقف النائب وليد جنبلاط وحده بل على مجمل الخريطة السياسية في لبنان.
جرى تكليف رئيس جديد تشكيل الحكومة المقبلة التي لن تكون أكثر من واجهة لحكم الوصايتين الخارجية والداخلية على لبنان. والمشكلة حقا لا تتوقف عند شخص الرئيس المكلف الخارج من صف رجال الاعمال الطموحين، بل عند رمزية الاتيان به كممثل لمصالح الحكم السوري في لبنان ولتطلعات "حزب الله" في التركيبة اللبنانية على حد سواء. وهو في طريقة الاتيان به، والشروط التي وضعت صراحة او مواربة أعجز من أن يتجاوز الدور المحدد له بحراسة هذه المصالح وتلك التطلعات لأنه يعرف ما من قوة كانت اتت به رئيسا للحكومة لو اقتصر الامر قياسا على قاعدته التمثيلية الشعبية او النيابية.
مسموح للرئيس المكلف ببعض الاجراءات التخديرية، او ببعض "الانجازات" المرحلية لحرف الانتباه عما وعمن يقف خلف المعطى الجديد في الحياة السياسية اللبنانية. ولكن الملفات الساخنة لن تكون في متناوله، ولن يسمح له بأكثر من التلطي خلف ما يسمى "الحوار" دفعا للحرج، وكسبا للوقت. وفي الاثناء يمضي لبنان بحراسة الرئاسات الثلاث المستسلم بعضها، والمتواطئ بعضها الآخر، والمستعجل بعضها الثالث في الانحدار نحو نظام الوصايتين الخارجية والداخلية، وفي نهاية الامر ستقف البلاد عند محطة نظام حكم الحزب الواحد (حزب الله) يوم تهب على سوريا "رياح" تونس ومصر، وستهب.
ان الطموح السياسي مبرر، لا بل جزء من الحياة السياسية في كل بلد. ولكن دون الطموح الثمن الباهظ الذي سيدفعه اللبناني في مستقبله ومصيره، وخصوصا ان الطامح، اي طامح مستعجل لن يكون أكثر من واجهة "لطيفة" للمخفي… وهو أعظم! وحبذا لو اننا مخطئون!
|