الخميس ٢٨ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٣, ٢٠١١
المصدر: جريدة الحياة
الربيع العربي لم يأتِ بعد - شريف حتاتة

هل سيقودنا ما أطلق عليه الربيع العربي إلى ديموقراطية طالما راودتنا في الأحلام؟ هل هناك احتمال آخر لا تجوز إثارته الآن بينما ما زلنا نعيش نيران المعارك، أم أن رؤية الاحتمالات ضرورة للذين يطمحون في لعب دور مؤثر فيها، سعياً، كما يقولون دائماً، للدفاع عن مصالح شعوبهم؟ تجتمع الأحزاب والمنظمات، واللجان الوطنية، تتناقش القيادات، تتآلف أو تختلف أو تنقسم ثم تنفض. تصدر البيانات، أو يظهر أفراد منها على التلفزيون، لكن لا أحد منهم يطرح هذا التساؤل حتى يعي الناس ما يمكن أن يقع، وحتى يمكن النشطاء والجماهير القيام بما يستطيعون القيام به لمواجهة ما قد يحدث في الغد. ربما هناك قلة تدرس احتمالات هذا الربيع الدامي والمؤلم، لكننا لم نسمع صوتهم. لذلك يبدو وكأن المسألة محسومة، ولا تحتاج إلى بحث أو نقاش. يكفي أن يهتفوا مع الجماهير «الشعب يريد إسقاط النظام»، وأن يخلع الحكام الذين قهرونا كي تصبح الديموقراطية ثمرة يمكن قطفها أو بناؤها في ظل الظروف الجديدة التي نشأت أو ستنشأ بعد رحيل الحكام الطغاة.


في تونس وفي مصر ينمو الإدراك بأن المسألة ليست كما كان يتصورها الذين تصدوا للقيام بالحركة الثورية التي انضمت إليها الجماهير بملايينها. في تونس يرأس الحكومة الحالية التي تشرف على تكوين الجمعية التأسيسية الباجي قائد السبسي، وهو رجل سياسي معروف كان مديراً للأمن الوطني العام ثم وزيراً للداخلية لمدة أربع سنوات، وبعدها بمدة قصيرة وزيراً للدفاع لمدة سنتين أيام رئاسة بورقيبة لبلاده. إنه أيضاً الحفيد المباشر لوليد إسماعيل السبسي، أحد مماليك «ساردينيا» القراصنة في القرن التاسع عشر. في مصر يحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة التي كانت قياداتها عنصراً أصيلاً وأساسياً في الحفاظ على حكم مبارك وتدعيمه.


المشير محمد طنطاوي كان على رأس هذه القوات لمدة تزيد على واحد وعشرين سنة كقائد عام ووزير دفاع، في ظل رئاسة مبارك للبلاد. كما أن تسليحها يأتي من الولايات المتحدة الأميركية وفقاً لاتفاقية المساعدات المالية المعقودة بينها وبين مصر. في ليبيا تدخلت القوى الغربية مباشرة في الحرب الدائرة بين الثوار وبقايا نظام القذافي، المدعوم بقوات المرتزقة والقوى القبلية التى ما زالت تدافع عن نظامه. كانت حجتها لتبرير هذا التدخل المجازر التي يتعرض لها الشعب على أيدي مرتزقة القذافي وقواته، لكن بعد الحربين التي شنتهما الولايات المتحدة وحلفاؤها على العراق، واحتلالها هذا البلد الغني بالبترول، مَنْ يصدق أن الدوافع الإنسانية هي التي حركتها. هناك قوى عاتية ومحنكة لا تكف عن العمل والتدبير حتى لا يتحقق ما تسعى إليه الشعوب العربية التواقة إلى الحرية، إلى تغيير جذري في حياتها. الدول الرأسمالية الكبرى جندت، وستُجند إمكاناتها الهائلة حتى لا يتم التطور الديموقراطي الذي تصبو إليه شعوبنا، وهذا رغم تصريحات قادتها عن تطلعهم إلى أن يروا هذا التطور وهو يحدث في البلاد العربية. ليس هذا بغريب. في هذه الأيام الدول الغربية نفسها تشهد حكماً يمينياً وعنصرياً يعادي الديموقراطية ومصالح الشعوب. هذا اليمين الرأسمالي يعلم جيداً أنه إذا تحررت الشعوب العربية من القهر المفروض عليها لن تقبل أن يستمر استغلال إمكاناتها وجهودها البشرية لصالح أصحاب الثروات الكبرى في العالم، وشركاتها المتعددة الجنسية.


الولايات المتحدة الأميركية وإنكلترا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول ساندت نظام مبارك في مصر ونظام بن علي في تونس، وعلي عبدالله صالح في اليمن، والقذافي في ليبيا طوال السنين الماضية، وهي تدرك الآن أن أيام هؤلاء الحكام أنهتها شعوبها. لكن الدول والمصالح المسيطرة على العالم تمرست على أساليب استبدال حلفائها بغيرهم في البلاد التي يسيطرون عليها. لذلك تبحث هذه الدول الآن عن حلفاء جُدد يتولون الحكم ويُحافظون على مصالحها. ربما تأمل، أو تعرف أنها ستجدههم من بين الوجوه التي ظهرت في الميدان أثناء التطورات الأخيرة. إنها ستسعى مع هؤلاء لإحباط، أو تحريف حركات المجاهدين حقاً من أجل الديموقراطية من طريق الاستفادة من الانقسامات أو الاختلافات الموجودة في صفوفهم. ستعتمد على هؤلاء الحلفاء في إجراء بعض الإصلاحات السطحية، ذراً للرماد في العيون، ولتهدئة سخط الجماهير. فطوال العقود الماضية تمكنت الأنظمة الحاكمة من خلق نوع من الفراغ السياسي، من إقصاء القيادات الفعالة والخمائر البشرية الواعدة أو استقطابها، أو القضاء عليها. هكذا أصيبت الأحزاب السياسية والتنظيمات الشعبية كافة في هذه البلاد بالضعف أو بالبعد من مصالح الجماهير وأصبحت في خدمة النظام بشكل أو آخر. هذا ما عدا استثناءات قليلة محدودة التأثير. لذلك ما زال ميزان القوى حتى الآن في غير صالح التيارات الديموقراطية. الأرجح إذاً هو أن تنجح الشعوب العربية في التخلص من نظم ديكتاتورية الفرد لتحل محلها نظم ديكتاتورية أخرى تديرها مجموعات يتعاون أفرادها في تسيير شؤون الحكم مع إجراء بعض الإصلاحات السطحية التي قد تفيد فئات محدودة من الشعب. هذا مع الاحتفاظ بجوهر الوضع، فإقامة نظم ديموقراطية تحقق العدالة والحرية للشعوب، تحتاج إلى زمن لا نعرف مداه، قد يقصر نسبياً أو يطول، ليس اعتماداً على نضال الشعوب العربية وحدها، إنما أيضاً على نضال شعوب العالم، ومدى نجاحها في تغيير نظام العولمة الرأسمالية الذي يتحكم فينا جميعاً. أمام الشعوب العربية إذاً معارك أخرى صعبة، بل ربما ضارية، لكنها تسلحت الآن بالمعرفة، والقدرات التي اكتسبتها أثناء الصراع الدامي الذي خاضته بروح من الثبات والمرونة والاقتحام ستساعدها في تحقيق انتصارات جديدة أشمل، وأعمق تأثيراً، فـ «الربيع العربي» لم يأت بعد.


* كاتب مصري



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة