يمكن التوقف عند الكثير من القضايا التي ذكرها الرئيس السوري بشار الأسد في معرض حديثيه الى الصحيفة البريطانية والتلفزيون الروسي، بدءاً من شرحه لمعنى "الشرعية الشعبية" مروراً بتوصيفه لما يجري في سوريا على أنه "صراع بين القوميين العرب والإسلاميين" وصولاً الى تأكيده أن الوضع الأمني تحسّن في الشهرين الماضيين وأنه متفائل بقرب الخروج من "الأزمة الراهنة". لكن الأهمّ في الخطاب يبقى التهديدات التي تضمّنها، لسببين. الأول ما تعبّر عنه، والثاني ما تعنيه واقعياً.
في السبب الأوّل، لا مجازفة في اعتبار هذه التهديدات تعبيراً عن ضيق شديد وقلق. فالمرتاح الى وضعه والى مشروعيّته الشعبية والى الوضع الأمني الآخذ في التحسّن على ما قال، والمقتنع إن سوريا ليست اليمن ولا تونس ولا مصر ولا ليبيا، لا يحتاج للتلويح بزلازل في المنطقة إن تدخّل أحد في سوريا أو هدّد وحدتها وتماسك شعبها.
بل يمكنه الاكتفاء بتهديد المتدخّل "بقطع يده" مثلاً (بما أن العبارة صارت دارجة هذه الأيام!) أو بالتصدّي له بحزم، أو حتى بالصمت عن الأمر صمت الواثق العارف أن قوّته تكفي لردع "المُعتدين". أما التهديد بزلزلة المنطقة، أي لبنان والعراق وتركيا والأردن وإسرائيل، فتُظهر خوفاً من نار لم يهدّد أساساً بها أحد، وادّعاء قدرة بتعميمها على "الجيران" بالتساوي! وهذا ضعف ولو استظلّ بصراخ وتهويل.
وفي السبب الثاني، تعني التهديدات أن النظام السوري يدّعي امتلاك الأدوات الكفيلة بإحداث الزلازل. وهذا يفترض إما قدرة ذاتية، وإما حلفاء ملتزمين بالتوقيت السوري للزلزال، جاهزين للتضحية بذواتهم في اللحظة التي تختارها دمشق. فهل الحلفاء هؤلاء موجودون فعلاً؟ وهل هم خاتم في أصبع دمشق؟ وهل توافق إيران مثلاً على توظيف حزب الله وربما خسارته (كقوة عسكرية) دفاعاً عن نظام دمشق قبل انجلاء الأمور في ما خصّ برنامجها النووي؟ وهل الحزب أصلاً مجرّد أداة؟ وهل تعتبر حماس نفسها فرعاً من فروع المخابرات السورية لتقبل تفجير الوضع في فلسطين على أوسع نطاق كرمى لعيون الرئيس الأسد ووفق التوقيت الذي يختاره؟ وماذا عن العراق وتركيا والأردن؟ هل يُراد ضربهما أيضاً أم تُعتبر الهزّات الارتدادية كفيلة بإصابتهما؟ لا يعني ما تقدّم أن قدرة النظام السوري على إقلاق راحة المنطقة معدومة. لكنه يعني أن للإقلاق هذه المرة حدوداً وأثماناً لن يكون سهلاً على مثيريها تسديدها.
لقد كان الأجدى بالرئيس السوري إن أراد التحذير من انتقامه العظيم ضد من يحاول التدخّل ألا يساوي العراق ولبنان وسوريا وتركيا والأردن يإسرائيل مثلاً. وأن يفسّر، ولو تلميحاً، ما يعنيه حين يتحدّث عن التدخّل والردّ. أما أن يكون مكرّراً للمقولات والابتزازات التي اعتُمدت لعقود في مناخات إقليمية ودولية مختلفة جذرياً عن تلك التي نعيش اليوم، فهو حكماً في حال صعبة، لا بل شديدة الصعوبة...
|