الخميس ٢٨ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الأول ٣٠, ٢٠١١
المصدر: جريدة الحياة
حضور الدين أكثر مما يدعو إليه «الإخوان» في الاردن - إبراهيم غرايبة

نحتاج إلى مراجعة كثير من المسلّمات والأفكار التي تبدو بديهية في الجدل الجاري اليوم حول مستقبل الدولة والمجتمع بين الإسلامية والعلمانية، ففي توجه الأنظار والمعالجات الإعلامية والسياسية إلى الحركات الإسلامية باعتبارها نصير الأسلمة في مواجهة العلمنة (وهذا صحيح بالطبع) يجري إغفال الدور الكبير للسلطات التنفيذية، معظمها إن لم تكن كلها في تكريس الدين وتوظيفه في الحكم والسياسة والنفوذ على نحو يفوق قوة وتأثيراً ما تقوم به الحركات الإسلامية، وليس مبالغة القول إن الحالة الدينية الراسخة والمهيمنة في الدول والمجتمعات العربية والممتدة على أجزاء واسعة من الأفكار والسياسة والتشريعات والحريات الفردية والاجتماعية هي من صنع الحكومات والجهات الرسمية وليس الجماعات الإسلامية.
هناك أزمة كبيرة بالتأكيد في سلوك وفهم وطبيعة الحركة الإسلامية تشكل خطورة كبرى على الديموقراطية والحريات، ولكن يجب الالتفات إلى أن الجزء الأكبر من هذا الخطر تتحمل مسؤوليته الحكومات والمجتمعات.


ففي الأردن، البلد الذي يبدو معتدلاً ووسطياً في المسألة الدينية بين الدول العربية، يمكن ملاحظة خريطة واسعة ومهيمنة وممتدة من العمل الإسلامي الرسمي والمجتمعي البعيد عن الحركات والجماعات الإسلامية تجعل الانطباع الأولي بعلمانية الدولة بعيداً عن الحقيقة، لكن ما يجري سلوك رسمي ومجتمعي ديني متشدد تتحمل معظم وزره إعلامياً الحركة الإسلامية، والتي تقبل الطعم مفضلة أن تتحمل أعباءه على أن تتبرأ منه أو تجرؤ على ترشيده أو على الأقل أن تظهر موقفها الذي يعتبر أكثر اعتدالاً من السلطة والمجتمع.


على المستوى الإعلامي إذا روجعت كل حالات التوتر والعقوبات القضائية والرسمية والاحتجاجات المتعلقة بالإساءة إلى الدين والرموز الدينية أو مناقضة العقائد والأحكام الشرعية، مثل إحالة الكتاب والأدباء إلى المحاكم ومصادرة كتبهم أو الاحتجاجات الشعبية والإعلامية على الإساءة إلى الدين ورموزه، فمردها إلى جهات رسمية وشخصيات مستقلة وفئات غير مؤطرة أو منظمة في جماعة إسلامية. والحالة الأردنية الرسمية لا تعبر عن دولة دينية، ولكن الإسلام دين الدولة حسب الدستور، ومصدر رئيسي في التشريع، وتستند إليه منظومة الأحوال الشخصية، ويقوم الدين بدور أساسي ومهم في الدولة الأردنية، في الدستور والقوانين والأنظمة والتشريعات، وفي مناهج التربية والتعليم، والإعلام الرسمي وشبه الرسمي وفي سياسات الحكم والوزارات والجيش والدوائر الحكومية والرسمية، وفي المؤسسات الدينية المختصة كوزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية، ودائرة قاضي القضاة، ودائرة الإفتاء في القوات المسلحة.


في التشريعات الأردنية يمكن ملاحظة أن موقع الدين من الدولة أكبر بكثير مما يبدو لدى الانطباع السائد، فمن الواضح في التشريعات تنظر إلى الدولة باعتبارها مكلفة بإقامة الدين وتطبيقه وحمايته، فالدستور الأردني ينص في المادة 2 :على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، وتنص المادة 27: يشترط في من يتولى الملك أن يكون مسلماً عاقلاً مولوداً من زوجة شرعية ومن أبوين مسلمين.
ويعبر قانون الأحوال الشخصية ووزارة الأوقاف والمحاكم الشرعية والوعظ والإرشاد عن مجالات وواجبات الدولة في تطبيق الشريعة الإسلامية في مجالات واسعة في الأسرة والميراث والزواج والطلاق، وعلى الدور الديني للدولة وواجباتها تجاه الأحكام والتوجيهات الدينية والشرعية.


وتنبثق فلسفة التربية والتعليم في الأردن من أسس فكرية هي أقرب إلى الإسلام من مبادئ وأهداف جماعة الإخوان المسلمين، فهي كما ينص قانون وزارة التربية والتعليم: الإيمان بالله تعالى، والإيمان بالمثل العليا للأمة العربية، والإسلام نظام فكري سلوكي يحترم الإنسان ويعلي من مكانة العقل ويحض على العلم والعمل والخلق، والإسلام نظام قيمي متكامل يوفر القيم والمبادئ الصالحة التي تشكل ضمير الفرد والجماعة، والعلاقة بين الإسلام والعروبة علاقة عضوية.


وتدير الدولة على نحو كامل وتأميمي كل مؤسسات وبرامج وأعمال الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويعرف قانون وزارة الأوقاف أهداف وزارة الأوقاف، وهي المحافظة على المساجد وأموال الأوقاف وصيانتها وتنميتها وإدارة شؤونها، والعناية بتطوير المسجد ليؤدي رسالته في مجالات التربية الإسلامية، وإذكاء روح التضحية والجهاد والثبات في الأمة وتقوية الروح المعنوية من خلال المعاني الإسلامية وتوجيهات العقيدة، وتنمية الأخلاق الإسلامية وتمكينها في حياة المسلمين العامة والخاصة، ودعم النشاط الإسلامي العام والتعليم الديني وإنشاء المعاهد الدينية ومدارس تحفيظ القرآن، ونشر الثقافة الإسلامية والمحافظة على التراث الإسلامي وإبراز دور الحضارة الإسلامية في رقي الإنسان وتنمية الوعي الديني وشد المسلم إلى عقيدته، وتدير الدولة وتمول في هذا المجال آلاف المساجد والمؤسسات وتشغل الآلاف أيضاً في العمل الإسلامي والدعوي من المتفرغين تماماً لهذا العمل.


وينص قانون وزارة التنمية الاجتماعية على الإشراف على دور السينما والمسارح والملاهي بأنواعها والنوادي والجمعيات والمهرجانات والموالد وتوجيهها، ومكافحة التشرد والتسول والبغاء والاتجار بالنساء والأطفال وتشكيل شرطة آداب لهذه الغايات. وبمقارنة هذه الأفكار والحالات الرسمية مع أهداف جماعة الإخوان المسلمين القائمة على الإصلاح السياسي والاجتماعي بعامة، يمكن ببساطة تقرير أن الجماعة أكثر علمانية من الدولة.


* كاتب أردني



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة