عمرو حمزاوي – القاهرة
مجموعة كبيرة من الأوهام أسقطها عنا جميعا شباب مصر الرائع خلال الأيام الماضية ولن يملك النظام الحاكم إزاء هذا التحول إلا الإستجابة الجادة والتعامل الأمين مع المطالب العادلة للمصريين إن أرادت قيادته الخروج بأمان من التأزم الراهن ودفع البلاد نحو مستقبل أفضل.
1- سقطت في 25 كانون الثاني الجاري أوهام النظام ومؤسسته الأمنية بأن عدد من يخرج إلى الشارع من المصريين للمطالبة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية لا يتجاوز بضع مئات من النشطاء الذين اعتاد عليهم الأمن وعرفتهم القنوات الفضائية وظل تأثيرهم الشعبي شديد المحدودية طوال الأعوام الماضية. فيوم الثلاثاء الماضي، شارك في احتجاجات يوم الغضب آلاف المواطنين في العديد من المدن المصرية وجمعوا بين صفوفهم خلفيات اجتماعية ومهنية وسياسية مختلفة وحدتها الرغبة في وطن أفضل لنا جميعا. هذه الآلاف إن استمرت في الاحتجاج السلمي سينفتح عليها بالتأكيد المزيد من المواطنين وعندها لن يملك النظام ان يتعامل معها بمنطق القمع الأمني فقط أو بتجاهل مطالبها والاستعلاء عليها.
2- المشاركة الشجاعة للشابات والشابان المصريين في احتجاجات الأيام الماضية كسرت حاجز الخوف في مجتمعنا وأعطبت من ثم فاعلية القمع الأمني، وهو أمر سيشجع حتما وإن تدريجا قطاعات أوسع من المواطنين على الانضمام إلى الاحتجاج السلمي للمطالبة بحقوقهم. ولا يقل أهمية عن ذلك كون شباب مصر رفع في الاحتجاجات الأخيرة مطالب لا يمكن لأي وطني مصري أن يجادل في عدالتها وشرعيتها. فهم، ونحن جميعا معهم، يريدون "تغييراً وحرية وعدالة اجتماعية" بمحاربة الفساد والمفسدين وبتقليص الهوة بين الأغنياء والفقراء وبإلغاء قانون الطوارئ وبإطلاق الحريات السياسية وبتعديل الدستور وبحل برلمان منقوص الشرعية ولا يعبر إلا عن الحزب الوطني وبالكف عن تعذيب المواطنين. غالبية واضحة من المصريين تتعاطف مع هذه المطالب وكلي ثقة بأنها ستشجعها بالفعل في اللحظة المناسبة.
3- أسقط شباب مصر عملا سيناريو التوريث ونجح بذلك فيما فشلت به قوى المعارضة الحزبية وغير الحزبية، فقد بات واضحا أن مصر في أوضاعها الراهنة لا تحتمل نقل السلطة الرئاسية من الأب إلى الأبن المرفوض شعبيا وأن تنفيذ التوريث سيعرض سلمها الوطني لمخاطر جمة. رفع الشباب العظيم أيضا السقف السياسي بمطالبة الرئيس مبارك بالامتناع عن الترشح لفترة رئاسية سادسة وفتح الباب أمام انتخابات رئاسية تنافسية تقتضي تعديل المادة 76 من الدستور وتعيين الحد الأقصى للفترات الرئاسية بفترتين لا أكثر.
4- أسقطت احتجاجات مصر، أوهام النظام وقيادات الحزب الوطني والمعبرين عنهم في ما يسمى الصحافة الرسمية بإمكانية الاستمرار في تنفيذ إصلاحات اقتصادية وتجاهل المطالب السياسية العادلة للمصريين والاستعلاء عليهم بتتفيه هذه المطالب وتجاهلها. احتجاجات اليوم لن تنهيها وعود الوزيرة عائشة عبد الهادي برفع سلم الأجور أو حديث وزراء آخرين عن الوظائف وفرص العمل المقبلة، بل لن تحد منها وعود حكومية بتمرير قوانين جديدة للتأمين الصحي والضمانات الاجتماعية. قضي الأمر، المصريون يريدون كل هذا ومعه حقوقهم السياسية وحرياتهم المدنية. قضي الأمر، فالاستعلاء الحكومي لن يجدي والتعامل مع المطالب بتجزيئها وبمسكنات مؤقتة لن ينفع. لدينا حق اصيل في وطن أفضل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
5- أفرغ شباب مصر وبعفوية رائعة إستراتيجيات النظام الحاكم التخويفية، القائمة على الإدعاء دوما بإن جماعة الإخوان المحظورة هي من تثير الاضطراب وتهدد السلم الوطني وتريد الانقلاب على النظام، من المضمون والفاعلية. هذا الشباب المحتج ليس شباب الإخوان، وإن حضر بين صفوفهم بعض الإخوان فهم يحضرون كمواطنين مصريين ويرفعون الشعارات الوطنية غير الدينية ذاتها وتغيب عنهم الإيديولوجيا ويلتزمون بالمطالب الوطنية محل الإجماع بيننا جميعا. فقد النظام فاعلية فزاعة الإخوان في الداخل إزاء الطبقة الوسطى والقوى المدنية وفي الخارج إزاء الحكومات الغربية والرأي العام الغربي، وعلى الشباب والمحتجين من جماعة الإخوان أن يعوا أهمية ذلك القصوى ويمتنعوا تماما عن رفع أعلامهم أو شعاراتهم الدينية.
6- أسقطت الاحتجاجات أيضا وهم أن الشارع لن يتحرك إلا في ظل وجود قيادة مؤثرة ذات حضور شعبي وأنه لا بديل من التنظيم الجماعي من قبل أحزاب وحركات المعارضة لتحريك الجماهير. غابت الأحزاب والحركات واختفى البرادعي كالعادة، ونجح الشباب في التعبئة والحشد بالوسائل الافتراضية وفي ترجمتها واقعا بليغا على الأرض. لا يحتاج الشباب لا للزعماء ولا لأحزاب أو مكاتب إرشاد، بل للاستمرار في العمل المخلص والجاد بطرقهم وبأدواتهم وعلى جميع الآخرين الالتحاق بركبهم والتعاون معهم بمنطق تشاركي وليس بمنطق الزعامة والقيادة.
7- النظام الحاكم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الشروع في الإستجابة الحقيقية والواضحة المعالم السياسية للمطالب العادلة للمصريين أو التمادي في القمع والاستعلاء على المواطنين وتجزئة مطالبهم وهو ما سيدفع حتما إلى كارثة كبرى. أمام النظام الحاكم خيار بين فرصة فعلية للانفتاح على المصريين وشبابهم وقوى المعارضة والمجتمع المدني التي تتبنى المطالب الوطنية والنظر في كيفية التعاون لتحقيقها، أو الاستمرار الكارثي التداعيات في الاستعلاء على المواطنين والوطن وتكرار ما واجهته المعارضة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من إقصاء تام مع الشباب المحتج والقوى الواقفة معه. فقط المواجهة هذه المرة لن تكون بين الحزب الوطني والمعارضة الحزبية وغير الحزبية، بل بين النظام وأعداد متزايدة من المواطنين الممثلين لخلفيات اجتماعية متنوعة والراغبين بعنفوان الشباب في التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، في وطن أفضل لنا جميعا. هذه لحظتكم شباب مصر وفرصتنا جميعا لإعادة مصر العادلة والعفية والجميلة. وأشعر أننا لن نضيعها.
|