بيروت - ناجية الحصري عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا يتجاوز 174422 لاجئاً. هذا ما أظهرته النتيجة الرسمية لـ «التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان» والذي أعلن من مقر رئاسة الحكومة اللبنانية أمس. وهو أول تعداد يتم بقرارٍ رسمي لبناني- فلسطيني منذ استضافة لبنان للاجئين الفلسطينيين قبل 70 سنة. وشمل التعداد اللاجئين الذين يعيشون في 12 مخيماً و156 تجمعاً فلسطينياً في المحافظات اللبنانية. ويأتي هذا التعداد في وقت لم يجر لبنان أي تعداد لعدد سكانه اللبنانيين، ما دفع رئيس لجنة الحوار «اللبناني- الفلسطيني» حسن منيمنة إلى القول «إن لبنان يستطيع إجراء تعداد لمواطنيه على أرضه ويمكن ذلك من دون الإشارة إلى طائفتهم». وكان عدد اللاجئين المعلن، صدم حضور المؤتمر الرسمي الذي أقيم في السراي الكبيرة وفي مقدمهم رئيس الحكومة سعد الحريري وحشد من الوزراء والنواب والديبلوماسيين وقيادات سياسية لبنانية وفلسطينية ورؤساء منظمات دولية وممثلون عن المؤسسات العسكرية وباحثون وممثلون عن المجتمع المدني الفلسطيني واللبناني.
وأظهرت النتائج أكثر من مفاجأة، فتبين أن نسبة 55 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون خارج المخيمات، وأن 3707 أسرة، الزوج فيها فلسطيني لاجئ والزوجة لبنانية وأن 1219 أسرة الزوج فيها لبناني والزوجة فلسطينية لاجئة. ما دفع بكثر بعد انتهاء المؤتمر إلى الدعوة إلى إعادة النظر بكثير من المفاهيم السائدة حول اللاجئين الفلسطينيين والمحرمات التي كانت مفروضة عليهم.
الحريري
واعتبر الرئيس الحريري في كلمة بعد إعلان النتائج خلال المؤتمر أن «مع إنجاز هذا التعداد أصبح عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان واضحاً اليوم». وقال: «كان البعض يتحدث عن رقم 500 ألف أو 600 ألف أو 400 ألف، كان هناك كلام يهوِّل فيه بعضنا على بعض، وكنا نسمع أرقاماً تستخدم في التجاذبات، ولكن الأمور وضعت في نصابها. وواجباتنا تجاه إخواننا الفلسطينيين المقيمين على أراضينا مسألة يجب أن تتحرر من التجاذبات، ولا تتحول إلى نقطة خلاف، لا بين اللبنانيين ولا بيننا وبين الفلسطينيين. ولبنان لم ولن يتهرب من واجباته التي يجب أن تكون واضحة وضوح الشمس. ليس هناك أي التباس أو أي نافذة يمكن أن تفتح، لا على التوطين ولا على أي إجراء يناقض حق العودة أو ينزع عن اللاجئين هويتهم، هوية فلسطين».
وشدد الحريري على واجبات وكالة «أونروا» تجاه «المتطلبات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في لبنان».
وطالب «الدول المانحة بأن تزيد مساهماتها ودعمها لتمكين أونروا من القيام بالتزاماتها وضمان حل عادل لقضيتهم بحسب قرارات الشرعية الدولية»، مؤكداً أن «التـضامن مع الشعب الفلسطيني واجب أخلاقي وإنساني، قبل أن يكون واجباً قومياً ووطنياً. وان لبنان لن يتخل عن التزامه القومي والإنساني بحق عودة الشعب الفلسطيني إلى دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس».
وحيا الحريري «القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني على صبرهم وصمودهم في وجه كل المؤامرات، منذ أكثر من 70 سنة، وخصوصاً اليوم، مع القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. هذا القرار الذي هو هدية للمتطرفين وعرقلة لعملية السلام وتوتير للمنطقة». وجدد القول إن «قراراً كهذا ما كان ليحصل لو لم تكن الدول العربية غارقة في الحروب والصراعات، التي جعلت ملايين المواطنين العرب يتشردون على صورة الشتات الفلسطيني. والتضامن العربي اليوم حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لإنقاذ القدس، لتبقى القدس عاصمة دولة فلسطين».
وقال: «راكمت العقود الماضية المشكلات الاجتماعية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين، وبات الواقع في المخيمات واقعاً مأسوياً بكل المقاييس. والدولة لا تستطيع أن تتفرج على هذا الواقع وهو يتفاقم من سنة إلى أخرى، ويتحول إلى مسألة لا تُحل. وأظهرت وثيقة مجموعة العمل حول قضايا اللاجئين أن اللبنانيين بمختلف اتجاهاتهم السياسية لا يشكلون عائقاً أمام أي مشروع يسمح للبنان بأن يتحمل مسؤولياته تجاه الإخوة اللاجئين».
ولفت إلى أن «المجتمع الدولي سيساعد ولكن هناك جهات في المجتمع الدولي لا تريد المساعدة بل تــــريد تعطيل «أونروا» وإلغــاءها إذا أمكنها ذلك. يجب أن يكون هدفــنا واضحاً وهو محاربة إلغاء «أونروا» والعمل على دعمها، ووضع فلسطين اليوم سببه تقاعس المجتمع الدولي عن حل أزمتـــها. فإذا أراد المجتمع الدولي أن يتقاعس عن صرف الأموال للاجئين فماذا نقول لهذا المجتمع الدولي وكيف نؤمن به؟».
وخلص إلى «أن المجتمعات الحديثة ترسم سياساتها على أساس الأرقام والمعطيات الدقيقة، ونحن طموحنا تكريس هذه التجربة التي أنجزتها لجنة الحوار، والتي أوجه لها الشكر مرة جديدة على عملها ومثابرتها في خدمة مصلحة لبنان وفلسطين.
القيمون على التعداد
وجرى تنفيذ التعداد خلال العام 2017 عبر شراكة بين «إدارة الإحصاء المركزي اللبناني» و «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني»، وتحت مظلة «لجنة الحوار اللبناني– الفلسطيني».
واعتبر منيمنة في كلمة «أن من أهم الدلالات التي أظهرها التعداد والتي ستوجه مسار العلاقات اللبنانية الفلسطينية مستقبلاً إمكان تجاوز وكسر الكثير من المحرمات التي طالما سادت في البلد وهي عملية ممكنة من خلال الحوار الحقيقي والمسؤول بين الأطراف اللبنانية– اللبنانية واللبنانية الفلسطينية».
وقال إن «الأرقام التي توصل إليها التعداد تؤكد مدى الحاجة إلى اعتماد مسألة الإحصاءات الدقيقة في مختلف الملفات لما تظهره من قضايا وحقائق من دون أي مبالغة أو تقليل»، مشيراً إلى «أن قاعدة البيانات ستسمح للباحثين وللمؤسسات والمنظمات الدولية الاستفادة من الأرقام والخلاصات فيها لاعتماد برامج تساعد في معالجة ملائمة لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين».
وتمنت رئيسة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني علا عوض، التي حضرت من رام الله إلى بيروت لحضور المناسبة «أن تشكل نتائج التعداد فرصةً حقيقيةً لتغيير الواقع الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان على كل الصعد ووضع المجتمع الدولي في صورة معاناتهم المستندة إلى الحقائق والأرقام التي نتجت عن هذا التعداد، والآثار التي لحقت بهم نتاج سياسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان». وأكدت «أن الوجود الفلسطيني في لبنان وغيره من الدول العربية الشقيقة ما هو إلا وجود موقت، إلى حين تقرير مصيرهم وعودتهم إلى ديارهم».
ولفتت المديرة العامة لإدارة الإحصاء المركزي اللبناني مرال توتليان إلى انخراط نحو ألف شاب لبناني وفلسطيني في تنفيذ التعداد من خلال اعتماد نظام معلوماتي متطور تمثل باستخدام الأجهزة اللوحية لتعبئة البيانات بدلاً من الاستمارات الورقية المعتادة، كما تم التحقق من استكمال هذه البيانات وصحتها من خلال ربط الاستمارة بالموقع الجغرافي للوحدات السكنية واستعمال احدث نظم المعلوماتية الجغرافية (GIS) بالإضافة إلى نظام اتصالات متطور مرتبط بنظام (GPS) ما شكّل نقلة نوعية في العمل الإحصائي المستقبلي في إدارة الإحصاء المركزي من حيث التأثير المباشر على الجودة الكليّة للمشروع، والجدول الزمني، والنتائج المتوقعة».
إحصاءات
وتشير الإحصاءات التي أعلنت خلال المؤتمر إلى «أن نحو 4,9 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين يملكون جنسية غير الجنسية الفلسطينية، وأن 7,2 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين أميون، وبلغت نسبة البطالة 18,4 في المئة من الأفراد المشمولين في القوى العاملة».
كما أظهرت النتائج «أن هناك تغيّراً في التركيبة الديموغرافية للسكان في المخيمات، حيث يزيد عدد غير الفلسطينيين على عدد اللاجئين الفلسطينيين في بعض المخيمات. وفي مخيم شاتيلا في بيروت هناك نسبة 57,7 في المئة من النازحين السوريين مقارنة مع 29,7 من اللاجئين الفلسطينيين. وفي مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية بلغت نسبة النازحين السوريين 47,9 في المئة مقارنة مع 44,8 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين. وفي مخيم مار الياس في بيروت، تبين أنه يوجد 39 في المئة من سكانه من النازحين السوريين وفي البداوي (شمال لبنان) بلغت نسبة النازحين السوريين فيه 34,4 في المئة.
ويتركّز الوجود الفلسطيني في منطقة صيدا بواقع 35.8 في المئة، تليها منطقة الشمال بواقع 25.1 في المئة بينما بلغت نسبتهم في منطقة صور 14.7 في المئة ثم في بيروت بواقع 13.4 في المئة وبلغت النسبة في الشوف 7.1 ثم منطقة البقاع بواقع 4 في المئة فقط.
سرية البيانات
ولفت مدير المشروع في لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني عبد الناصر الأيي إلى «أن تجاوب اللاجئين مع المندوبين كان أكبر من المشكلات التي صادفتهم». وقال لـ «الحياة» إن «التعداد على الأرض استغرق عشرة أيام فقط وفق معايير دولية من أجل دقته». وأشار إلى أن اللاجئين الذين غادروا لبنان تبين من خلال التعداد أن العدد الأكبر منهم موجود في ألمانيا ثم في دول الخليج العربي».
وأكد أن «داتا المعلومات الإفــرادية التي تم الحصول عليها لــــن تسرب إلى أي كان، باستثناء النتائج التي أعلن عنها حفاظاً على سرية البيانات ولن تعطى لأي طرف، لا أمني ولا دولي».
وسألت «الحياة» عدداً من القيادات الفلسطينية التي كانت حاضرة عن مصير المخيمات في ظل التسرب الفلسطيني الحاصل منها وما إذا فقدت حصانتها، فرجح أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية فتحي أبو عردات أن يرتفع رقم اللاجئين إلى 200 ألف لاجئ، وهو خطوة مهمة لإرساء قاعدة بيانات حول الوضع الذي يعانيه اللاجئ في لبنان واحتياجاته لتحسينها وذلك بالتفاهم مع الدولة اللبنانية».
وأكد عضو المكتب السياسي لـ «الجبهة الديموقراطية» علي فيصل، أن المخيمات لا تفقد مكانتها وفقاً لما تمثل، والتعداد يظهر أرقاماً لكن المهم الوضع الإنساني والاجتماعي للاجئين الذي يجب أن ينظر إليه».
واعتبر ميسر لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني أنطوان حداد، أن «ما صدر لم يصدمنا وتجب إعادة النظر في مسألة الحذر من عمل اللاجئين الفلسطينيين ومسألة التملك».
|