الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٣, ٢٠١٧
المصدر : جريدة الحياة
لبنان
الحريري يحصد تفويضاً شعبياً لتطبيق شعار «النأي بالنفس»
باريس تتمسك بتهدئة التوترات وواشنطن تلتزم لبنان القوي
فاجأ رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري اللبنانيين بالتريث في الاستقالة، بعدما طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ذلك أمس، مثلما فاجأهم حين أعلنها في الرابع من الشهر الجاري، ما فتح الباب على تكهنات كثيرة بأن الاستقالة باتت معلقة، أو أن تسوية ما يجري التحضير لها، لعلها تؤدي إلى التراجع عنها، فيما وصفت مصادر مقربة من الحريري التريث بالقول إن «الدقة تقتضي اعتباره نوعاً من التقاط الأنفاس من أجل التشاور لمعالجة العناوين التي أدت إلى الاستقالة وأبرزها النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية وتدخلات إيران وحزب الله في الدول العربية».

وامتزج الاحتفال اللبناني الرسمي والشعبي بالذكرى الـ74 للاستقلال أمس في عرض عسكري للقوات المسلحة، باحتفال جمهور الحريري بعودته بعد غيابه 19 يوماً عن لبنان ومضي 18 يوماً على تقديمه استقالته، في حشد شعبي وحماسي لمناصرين تجمعوا في منزله وفي الشوارع المحيطة للتضامن معه، قُدر عددهم بعشرات الآلاف، ما اعتبره قياديون في «تيار المستقبل» تجديداً «للتفويض الشعبي له ولزعامته حول السياسة التي يتبعها»، والتي وردت في كلمتين له أمس، وتقوم على «حماية الاستقرار والنأي بالنفس».

وظهرت أسلحة جديدة للجيش اللبناني أثناء العرض العسكري التقليدي، أبرزها طائرات «توكانو» وصواريخ نوعية دقيقة الإصابة، وعربات مدرعة من نوع «برادلي» الأميركية وأخرى قتالية استخدمها في قتاله ضد تنظيم «داعش» في عملية «فجر الجرود» في أيلول (سبتمبر) الماضي. وتحول الحريري إلى نجم الاحتفالين الرسمي والشعبي، إذ حرص كل من رئيس البرلمان نبيه بري والرئيس عون على تقبيله والترحيب به بحرارة فور وصوله إلى المنصة الرسمية للعرض العسكري، بعد عودته منتصف ليل أول من أمس إلى بيروت. واختلى به بري في السيارة من بيروت إلى القصر الرئاسي لمشاركة عون في حفل الاستقبال الذي يقيمه سنوياً في عيد الاستقلال قبل أن يجتمع الرؤساء الثلاثة لبعض الوقت ثم يختلي عون بالحريري لنصف ساعة، تلا بعدها رئيس الحكومة بياناً مكتوباً مما جاء فيه: «عرضت استقالتي على فخامة الرئيس، وتمنى علي التريث في تقديمها والاحتفاظ بها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية، فأبديت تجاوبي مع هذا التمني آملاً بأن يشكل مدخلاً جدياً لحوار مسؤول يجدد التمسك باتفاق الطائف ومنطلقات الوفاق الوطني ويعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب».

وكان أنصار الحريري وتياره يتجمعون منذ الصباح قرب منزله حاملين الرايات والأعلام اللبنانية، وقدِموا من مناطق عدة ومن بيروت ومحيطها للتضامن معه، في استنهاض جماهيري لشعبيته شهد الكثير من اللحظات العاطفية، لا سيما عندما أطل الحريري على الحشود وألقى كلمة مكتوبة ثم انتقل للاختلاط بها في الشوارع في محيط دارته. وخاطب الحريري المحتشدين الذين هتفوا باسمه قائلاً: «هذه لحظة لا يمكن أن أنساها. هذه لحظة اللقاء مع الأحباب، مع الرفاق، مع الأهل الحقيقيين». وكرر أكثر من مرة شعاره «لبنان أولاً»، وأضاف: «أنا باق معكم ومستمر معكم، لنكون خط الدفاع عن لبنان وعن استقراره وعروبته».

وأطلق إعلان الحريري التريث في الاستقالة التأويلات حول أهداف الخطوة، فيما انعكس ارتياحاً مالياً لتقدير أسعار السندات المالية في الأسواق الخارجية. وفي وقت ذهب بعض الأوساط إلى ربط الخطوة بانتظار تطورات ومداولات خارجية حول أوضاع المنطقة قد تنعكس على الدور الإقليمي لـ «حزب الله»، ربطاً باللقاءات التي أجراها الحريري مع كل من الرؤساء الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت الماضي والمصري عبد الفتاح السيسي والقبرصي نيكوس أناستسياديس أول من أمس، فإن أوساطاً سياسية أخرى رأت فيها ترقباً لجهود روسيا من أجل الحل السياسي في سورية لعلها تقلص دور الحزب في الإقليم. إلا أن مصادر محيطة بالحريري أوضحت لـ «الحياة» أن «لا معطيات واضحة عن وساطات في هذا المجال، لكن هناك قادة الدول الكبرى والعربية الذين قابلهم الحريري في الأيام الماضية وقبلها في الأشهر الأخيرة، متفقون على قواعد أساسية هي رفض تدخلات إيران في المنطقة واقتناعهم بأن حزب الله يحمّل البلد الصغير أكثر مما يحمل، ويركزون على عنوان محوري هو تجنب أي مشكلة في لبنان، لكن لا يجوز أن يستمر الحزب في ابتزاز الفرقاء اللبنانيين الآخرين لأنهم يريدون تجنيب البلد أي عمل يهز الاستقرار». وأوضح المصدر أن الحريري سيوضح اليوم أثناء ترؤسه اجتماعاً مشتركاً للمكتب السياسي لتيار «المستقبل» ولكتلته النيابية، حيثيات التريث وظروف المرحلة.

ورداً على سؤال عما إذا كان التريث في الاستقالة كان اتُفق عليه قبل لقاء الحريري مع عون (وبري قبله)، لفتت المصادر إلى أن «التريث لم يأت ابن ساعته، لكن لم يتقرر منذ مدة طويلة وجاء نتيجة اتصالات سبقت الاجتماع مع عون». وتابعت المصادر: «إلا أن التريث له وظيفة، وهو ليس لتعويم الاستقالة بل مرتبط بالآلية العملية لتطبيق المبدأ المركزي، أي النأي بالنفس عن الصراع الإقليمي. وهو لا يعني أن الحريري يترك الأمر للرئيس عون، بل المقصود به أن يجري تشاوراً معه ومع الرئيس بري، وكيف يمكن توسيع التشاور لإيجاد حلول، لأن الأزمة أنتجت عناوين لا يمكن التعامل معها بالقفز فوقها وتجاهلها بل بمعالجتها. والتأويلات بأن الاستقالة علّقت ليست صحيحة».

واستشهد مصدر مطلع على موقف الحريري بتغريدة لوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي ​أنور قرقاش​ أمس، قال فيها: «إن خروج ​لبنان​ من أزمته والأزمات الإقليمية (يكون بـ) أقله التطبيق الحرفي لمبدأ «​النأي بالنفس​«، والمعضلة الأساسية أمام ذلك هي التطبيق الانتقائي للمبدأ والدور الوظيفي الإيراني لـ​«حزب الله»​ خارج الإطار اللبناني». واعتبر المصدر أن «كلام الوزير الإماراتي دقيق جداً» ولم يستبعد أن يكون من بين الخيارات التي قد يلجأ إليها عون لمحاولة تطبيق النأي بالنفس، الدعوة إلى حوار وطني حول ذلك، مشيرة إلى أن الحريري سبق أن دعا إليه في بيان الاستقالة ثم في مقابلته التلفزيونية. ونفى المصدر بالكامل التأويلات عن أن هناك مهلة أسبوعين للتريث في الاستقالة، وقال: «ليس بنية الحريري التسبب بأزمة حكومية أو بتعطيل عهد عون، بل يريد معالجة مشكلة واضحة في علاقات لبنان مع الدول العربية ولا سيما الخليجية، نتيجة تدخلات حزب الله في شؤونها، إذ لا يجوز وضع لبنان في خلاف معها لكلفته على الاستقرار السياسي والاقتصادي ومصالح اللبنانيين فيها، ومن هنا دعوته في كلمته إلى أن يتحمل كل الفرقاء المسؤولية عن ذلك من دون كسر أحد ومن دون تجاهل الحاجة إلى تطبيق النأي بالنفس، إذ لا يجوز أن يبقى مجرد شعار في البيان الوزاري».

واستكمل الحريري نهاره الطويل أمس بلقاء بري ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وقال إنه شكر دريان «الذي هو مرجعية للجميع، على مواقفه، خصوصاً أنه حصن الوحدة الوطنية ووجوب أن يبحث اللبنانيون عن الاستقرار، وهذا الدور قام به بامتياز». أضاف: «اليوم حصل استمهال من أجل مشاورات، وسأقوم بمشاورات ورئيس الجمهورية سيقوم بمشاورات والمهم أن نضع مصلحة لبنان قبل أي شيء».

وفي نيويورك غرس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أرزة من لبنان في حرم مقر الأمم المتحدة، بمشاركة السفير اللبناني نواف سلام أمس، وبالتزامن مع إحياء لبنان ذكرى الاستقلال.

وأشاد غوتيريش «بدور لبنان الحيوي في الأمم المتحدة على مختلف الصعد» معتبراً أن الأمم المتحدة «تتشرف بوجود أرزة لبنان في حرمها، وهي باعتبارها رمزاً للقدرة على الصمود، تشكل إضافة رائعة في حديقة الأمم المتحدة».

وأكد غوتيريش أن الأرزة اللبنانية «هي هدية من لبنان وتمثل مؤشراً آخر الى التزام الشعب اللبناني الأمم المتحدة، خصوصاً أن لبنان يؤدي دوراً دينامياً في الأمم المتحدة بمختلف أجنداتها». وأشاد بالسخاء والكرم اللذين أبداهما لبنان في استضافة اللاجئين من سورية والمنطقة، مجدداً الدعوة الى «المجتمع الدولي لدعم لبنان في مواجهة هذه التحديات، من منطلق المسؤولية الدولية».

كما هنأ غوتيريش السفير سلام على فوزه أخيراً بمنصب قاض في محكمة العدل الدولية. وأكد سلام على دعم غوتيريش والأمم المتحدة «سيادة لبنان وسلامة أراضيه خلال العقود الماضية» مقدراً قبول غوتيريش الهدية المتمثلة بأرزة لبنان.

الحريري يعرض استقالته ويتجاوب مع عون في التريث: وطننا يحتاج لتجديد الالتزام بالطائف والنأي بالنفس إقليمياً

فاجأ رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بموقفه الذي فاق كل توقع، الوسطين الرسمي والشعبي في لبنان، بإعلان تريثه في تقديم استقالته، من القصر الجمهوري إثر لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، تجاوباً مع تمني الأخير عليه بعدما عرض عليه استقالته، الاحتفاظ بها لمزيد من التشاور. وأشار الحريري إلى أن «وطننا يحتاج في هذه المرحلة الدقيقة إلى جهود استثنائية من الجميع لتحصينه، وفي مقدمها وجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن النزاعات الإقليمية».

وجاء إعلان الحريري بعد انتهاء الاحتفال بعيد الاستقلال الرابع والسبعين الذي تخلله عرض عسكري أقامته قيادة الجيش في جادة شفيق الوزان في بيروت، ترأسه عون عند التاسعة من صباح أمس، وتميز هذه السنة بارتداء ضباط الجيش المشاركين وعناصره، للمرة الأولى، البزة العسكرية الجديدة، إضافة إلى تحليق طائرات «سوبرتوكانو» التي حصل عليها الجيش أخيراً في سماء المنطقة، ومشاركة مدرعات من طراز «برادلي».

وحضر الاحتفال إلى جانب رئيس الجمهورية، كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الرئيس الحريري، الرئيس أمين الجميل، الرئيس ميشال سليمان، عقيلة الرئيس الشهيد رينيه معوض النائب السابق نايلة معوض، الرئيس حسين الحسيني، الرئيس فؤاد السنيورة، الرئيس تمام سلام، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، ووزراء ونواب حاليين وسابقين وممثلي المقامات الروحية وممثلي البعثات الديبلوماسية المعتمدين في لبنان وممثلي الجسم القضائي والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والهيئات الاقتصادية والاجتماعية والنقابية والأهلية وقادة الأجهزة الأمنية وكبار الضباط والمدعوين.

وتغيب الرئيسان إميل لحود ونجيب ميقاتي بداعي السفر.
ولدى وصول عون، كان في استقباله وزير الدفاع وقائد الجيش ورئيس الأركان، وعزفت له الموسيقى لحن التعظيم والنشيد الوطني، وأطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة ترحيباً، ثم توجه إلى النصب التذكاري لضريح الجندي المجهول حيث وضع إكليلاً من الزهر وعزفت الموسيقى معزوفة تكريم الموتى ولازمة النشيد الوطني ونشيد الشهداء. وبعدما حيا علم الجيش، صعد ووزير الدفاع إلى سيارة جيب عسكري مكشوف وخلفهما قائد الجيش، واستعرض الوحدات المشاركة، ثم حيا المشاركين في الاحتفال. ولدى وصوله إلى المنصة الرئيسية صافح رئيس الجمهورية بري وعانق الحريري قبل أن يجلس على المقعد المخصص له.

وافتتح العرض العسكري بتشكيل من الطوافات العسكرية التي حملت الأعلام اللبنانية وعلم الجيش، وأطلق بالونات بألوان العلم اللبناني فوق مكان الاحتفال، الذي شهد عرضاً لمختلف صنوف الوحدات المؤللة والراجلة، فيما نفذت سفن تابعة لسلاح البحرية عرضاً في القاعدة البحرية على مراحل متقطعة.

وبعد انتهاء العرض العسكري، غادر رئيس الجمهورية إلى القصر الجمهوري لتقبل التهاني مع بري والحريري اللذين غادرا معاً إلى قصر بعبدا في سيارة واحدة من مكان الاحتفال، قادها الحريري بنفسه، حيث عقدوا اجتماعاً ثلاثياً جرى خلاله عرض التطورات الأخيرة، ثم غادر بري اللقاء ليستكمل النقاش في خلوة ثنائية بين الرئيسين عون والحريري. وبعد انتهاء اللقاء وإعلان الحريري موقفه، انتقل الجميع إلى قاعة 25 أيار، التي غصت بالمهنئين بعيد الاستقلال، من رسميين وسياسيين وروحيين وديبلوماسيين عرب وأجانب وإعلاميين وعسكريين ونقابيين واقتصاديين ومصارف وهيئات قضائية كشفية واجتماعية وأهلية ومديري المنظمات الإقليمية والدولية، و «يونيفيل». وحضر القائم بالأعمال السعودي الوزير المفوض وليد بخاري، باعتبار أن سفير المملكة العربية السعودية الجديد في لبنان وليد اليعقوبي لم يؤد القسم بعد أمام رئيس الجمهورية.
 
الحريري تجنب مصافحة السفير السوري
وخلال تقبل الرؤساء الثلاثة التهاني في قصر بعبدا، غادر الحريري​ مكانه، وعقد لقاء جانبياً لدقائق عدة مع وزير الخارجية ​جبران باسيل​ ووزير المال علي حسن خليل ووزير الزراعة غازي زعيتر، قبيل وصول السفير السوري علي عبد الكريم علي لتقديم التهاني، وذلك تجنباً لمصافحته.
وعلى هامش الاستقبال، لوحظ انعقاد اجتماع جانبي في أحد مكاتب القصر الجمهوري بين الوزير باسيل والوزير غطاس خوري ومدير مكتب الرئيس الحريري، نادر الحريري.
 
موقف الحريري
وعند الحادية عشرة والنصف، وقبل تقبل التهاني، خرج الرئيس الحريري إلى البهو الداخلي للقصر وأدلى بالبيان الآتي: «تشرفت بلقاء فخامة الرئيس ميشال عون في هذا اليوم الذي نجتمع فيه على الولاء للبنان والوفاء لاستقلاله. وكانت مناسبة لشكر الرئيس على عاطفته النبيلة وحرصه الشديد على حماية الاستقرار واحترام الدستور، والتزام الأصول والأعراف، ورفضه الخروج عنها تحت أي ظرف من الظروف».
أضاف: «إنني أتوجه من هنا، من رئاسة الجمهورية، بتحية تقدير وامتنان إلى جميع اللبنانيين، الذين غمروني بمحبتهم وصدق عاطفتهم، وأؤكد التزامي التام التعاون مع فخامة الرئيس لمواصلة مسيرة النهوض بلبنان وحمايته بكل الوسائل الممكنة من الحروب والحرائق المحيطة وتداعياتها، على كل صعيد. واسمحوا لي أيضاً بأن أخص بالشكر دولة الرئيس نبيه بري الذي أظهر حكمة وتمسكاً بالدستور والاستقرار في لبنان وعاطفة أخوية صادقة تجاهي شخصياً».
 
تجديد التمسك بالطائف والعلاقة مع الأشقاء
وتابع: «لقد عرضت اليوم استقالتي على فخامة الرئيس، وقد تمنى علي التريث في تقديمها والاحتفاظ بها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية، فأبديت تجاوبي مع هذا التمني، آملاً بأن يشكل مدخلاً جدياً لحوار مسؤول يجدد التمسك باتفاق الطائف ومنطلقات الوفاق الوطني ويعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب».
وقال الحريري: «إن وطننا الحبيب يحتاج في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا الوطنية إلى جهود استثنائية من الجميع لتحصينه في مواجهة المخاطر والتحديات. وفي مقدمة هذه الجهود، وجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الحروب وعن الصراعات الخارجية والنزاعات الإقليمية وعن كل ما يسيء إلى الاستقرار الداخلي والعلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب. وإنني أتطلع في هذا اليوم إلى شراكة حقيقية من كل القوى السياسية، في تقديم مصلحة لبنان العليا على أي مصالح أخرى وفي الحفاظ على سلامة العيش المشترك بين اللبنانيين وعلى المسار المطلوب لإعادة بناء الدولة»، ورأى أن «لبنان أمانة غالية أودعها الشعب اللبناني في ضمائر كل الأحزاب والتيارات والقيادات. فلا يجوز التفريط بهذه الأمانة. حمى الله لبنان وحفظ شعبه الطيب».

استقبال شعبي حاشد في وسط بيروت: نحن أهل الوفاء وخط الدفاع عن استقرار لبنان وعروبته

سبقت الحشود الشعبية من أنصار «تيار المستقبل» رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى محيط منزله في قلب بيروت هاتفة باسمه وملوحة بالأعلام اللبنانية وأعلام سعودية والرايات الزرق، ورافعة صوره المذيلة بـ «هو الضمانة». وكانت مواكب سيارة جابت بيروت وصيدا فور إعلان الحريري التريث في تقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، والمربوطة بـ «معالجة المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب»، مشدداً على «سياسة النأي بالنفس».

ونظم «تيار المستقبل» انتقال زهاء 35 ألف شخص بالباصات من المناطق البعيدة عدا الذين انتقلوا بسياراتهم والذين جاؤوا من بيروت ومناطق قريبة.

وامتلأت شوارع المربع الأمني لـ «بيت الوسط» بالحشود، الذين ضاقت بها الشوارع وانتشر المناصرون المتضامنون مع الحريري في شوارع أخرى وقطعت الطرق من قبل قوى الأمن ومنظمي التظاهرة عن جزء كبير من وسط العاصمة. وغلب الحماس والجو العاطفي على المناصرين الذين تجمعوا في منزل الحريري ومحيطه فيما بعض النسوة أتين مع أطفالهن وأولادهن.
 
كلمة الحريري
وأطل الحريري على المحتشدين من إحدى شرفات المنزل بعدما اجتمع مع الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة للتشاور.

ثم نزل لإلقاء كلمته فاشتعل الحشد صراخاً وتصفيقاً وهتافاً «سعد سعد سعد». وخاطبهم قائلاً: «هذه لحظة من غير الممكن أن أنساها، وأنا بالروح والدم أفديكم، إنها لحظة اللقاء مع الأحباب والرفاق والأهل الحقيقيين، لحظة الوفاء معكم، أنتم الذين تعلمون العالم كله الوفاء. لحظة الصدق معكم أنتم الذين تعلمون العالم الصدق، لحظة للتاريخ والجغرافيا ومن له عيون فلير ومن له آذان فليسمع. هذه لحظة القلب، سعد رفيق الحريري الواقف بينكم هو واحد منكم ولكم، وحتى اختصر كل شيء بكلمة: شكراً شكراً شكراً».

وأضاف: «شكراً لكل لبناني ولبنانية فهم بلحظة واحدة أهمية الحفاظ على استقرار بلدنا والأمان لأهلنا بكل لبنان، جئتم لتقولوا الحمد لله على السلامة ونقول حمداً لله على سلامة لبنان واللبنانيين. أنا باق معكم ومكمل معكم، وباقون سوياً ومكملون سوياً لنكون خط الدفاع عن لبنان واستقراره وعروبته، هذا اللقاء سيتكرر وسترونني في عكار والمنية والضنية وطرابلس والقلمون في الشمال وفي البقاع كله وصيدا والجنوب كله وفي الإقليم والشوف وجبل لبنان كله لندافع سوياً عن بلدنا وحريته وعروبته واستقراره ، واليوم في بيروت مع أهلي وكلنا في بيتكم بيت الوسط لنقول سوياً نحن أهل الوسط والاعتدال والاستقرار وكلنا جئنا لنقول لا شيء أغلى من بلدنا وشعارنا سيبقى لبنان أولاً».

وغصت الساحة الداخلية لدار الحريري بالناس والنواب وقادة «المستقبل» إلى درجة التدافع، وكذلك القاعة الفسيحة المخصصة للاستقبالات. واضطر بعض الموجودين للاستماع إلى كلمة الحريري داخل القاعة من شاشة تلفزيونية لضيق المكان في الساحة الخارجية وجهد رجال الأمن للحؤول دون دخول الناس إلى قاعات أخرى داخل المنزل الذي تجمع فيها أفراد من العائلة والأصدقاء المقربين ومعاوني الحريري وأطلت النائب بهية الحريري على الحشد من إحدى شرفاته يحيط بها أولادها والرئيس فؤاد السنيورة والوزير غطاس خوري وآخرون ولوحوا للمحتشدين.

وبعد الكلمة، انشد الحريري والحشود النشيد الوطني. وأصر الحريري على النزول إلى حيث الجموع ما أربك عناصر أمنه. وصافح الحريري المحتشدين وحمل أطفالاً وعانقه شباب يبكون فرحاً والتقط معهم صور «سلفي». وشوهد الحريري وعيناه مغرورقتان بالدموع أثناء احتكاكه بالناس، على أنغام الأغاني الحماسية التي بثتها مكبرات للصوت بأصوات فنانين لبنانيين، وبينها أغنية جرى تلحينها خصيصاً أثناء فترة غيابه بعد إعلانه استقالته. وكان بين المحتشدين في الباحة الداخلية الفنان راغب علامة الذي غرد للحريري اغنيته « الحمدلله ع السلامة».

باريس تتمسك بتهدئة التوترات وواشنطن تلتزم لبنان القوي
باريس - رندة تقي الدين , بيروت - «الحياة» 
قالت الرئاسة الفرنسية أمس، إن الرئيس إيمانويل ماكرون أجرى اتصالات خلال الأسبوعين الأخيرين مع عدد كبير من قادة منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب والأمين العام للأمم المتحدة ، وكانت رسالته واضحة لهم: «دعم أمن لبنان واستقراره وتهدئة التوترات في المنطقة».

وتمنت الرئاسة بعد عودة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري لإجراء مشاورات مع الرئيس عون، أن تؤدي مرحلة المشاورات السياسية إلى عمل طبيعي ومتوازن للمؤسسات في إطار احترام الدستور اللبناني»، مؤكدة أن فرنسا «التي هي إلى جانب اللبنانيين ستبقى متيقظة حيال الوضع في لبنان».

وكان الحريري عاد ليل أول من أمس إلى بيروت، آتياً من القاهرة وكانت له محطة في لارنكا حيث التقى الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس لمدة 45 دقيقة. وتوجه بعد وصوله إلى بيروت قبيل منتصف الليل إلى ضريح الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري وتلا الفاتحة على روحه وأرواح رفاقه.

وأمس أعلن الناطق باسم الحكومة القبرصية نيكوس كريستودوليدس أن قبرص «ستحاول القيام بمبادرات للمساعدة في نزع فتيل الأزمة فى لبنان».

وقال: «هدفنا المشترك الاستقرار في لبنان ومنطقتنا وفي هذا السياق، فإن رئيس الجمهورية سيتخذ بعض المبادرات على وجه التحديد لتعزيز هذا الهدف والاستقرار في لبنان».

وهنأ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون «نيابة عن الشعب الأميركي، شعب ​لبنان​ بمناسبة ذكرى استقلالكم اليوم».

وأشار تيلرسون في بيان، إلى أن «​الولايات المتحدة​ تتطلع إلى تعزيز صداقتها وتعاونها مع لبنان في الوقت الذي نعمل فيه سوياً لتحقيق أهدافنا المشتركة ولدعم سيادة لبنان واستقراره واستقلاله»، مؤكداً «الدعم لمؤسسات ​الدولة اللبنانية​«، مثمناً «الشراكة الوثيقة في التصدي للتحديات الإقليمية المشتركة، ولا سيما ​مكافحة الإرهاب».

وذكر أن «التزامنا الدائم تجاه ​الشعب اللبناني​ سيبقى قوياً، فيما يعمل لبنان على تحقيق تطلعات جميع اللبنانيين من أجل مستقبل مزدهر وآمن»، راجياً أن «تقبلوا منا أطيب التمنيات لجميع اللبنانيين في هذه المناسبة التاريخية».


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة